الكواكب والأفلاك. فتلك الحركات كيف حصلت؟ فإن كان حصولها بسبب أفلاك أخرى لزم التسلسل ، وإن كان من الخالق الحكيم ، فذلك يوجب الإقرار بوجود الإله [تعالى (١)] وهذا هو المراد بقوله تعالى : (وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ : مُسَخَّراتٌ بِأَمْرِهِ. إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (٢) فجعل مقطع هذه الآية قوله (لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) والتقدير : كأنه قيل : إن كنت عاقلا فاعلم أن التسلسل باطل. فوجب انتهاء الحركات إلى حركة يكون موجدها غير متحرك. وذلك هو الإله القادر المختار. ولما تم الدليل في هذا المقام ، لا جرم جعل مقطعه قوله : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ).
والوجه الثاني من الجواب : هو أن نسبة الكواكب والطبائع إلى جميع أجزاء الورقة الواحدة ، والحبة الواحدة : واحدة. ثم إنا نرى الورقة الواحدة من الورد : أحد وجهيها في غاية الحمرة ، والوجه الثاني في غاية السواد. فلو كان المؤثر موجبا بالذات لامتنع حصول هذا التفاوت ، لأنه تقرر في العقول : أن تأثير الموجب بالذات لا يختلف. وحيث حصل التفاوت في الآثار ، أن المؤثر قادر مختار. وهذا هو المراد من قوله : (وَما ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ. إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ) (٣) كأنه قيل له : تذكر ما ترسخ في عقلك من أن الموجب (٤) بالذات والطبع ، لا يختلف تأثيره. فلما رأيت بعينك حصول هذا الاختلاف ، فاعرف أن المؤثر فيه ليس هو الطبائع الموجبة بالذات ، بل المؤثر فيه هو الفاعل المختار. فلهذا السبب جعل مقطع هذه الآية : قوله : (لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ) ولنكتف من هذا الجنس بهذا القدر ، فإنه بحر واسع. وقد ذكرناه على سبيل الاستقصاء في «التفسير الكبير» فمن أراد هذا النوع فعليه بذلك الكتاب. والله أعلم [بالصواب (٥)]
__________________
(١) من (ت)
(٢) النحل ١٢
(٣) النحل ١٣
(٤) كأنه قيل له : مذكور ينتج في عقلك من أن الواجب بالذات ... الخ (ت)
(٥) من (ت)