والجواب عن الحجة الثانية : أن نقول : العلة الواحدة إذا صدر عنها الألف ، وصدر عنها الباء ـ ولا شك أن الباء غير الألف ـ فههنا يصدق أن يقال : إنه صدر عنه الألف. وصدر عنه ما ليس بالألف. ولا يلزم أن يقال : صدر عنه الألف ، ولم يصدر عنه الألف. [لأنه لا فرق بين أن يقال : صدر عنه ما ليس بألف ، وبين أن يقال : لم يصدر عنه الألف (١)] ألا ترى أنهم قالوا : فرق بين قولنا بالإمكان ليس ، وبين قولنا : ليس بالإمكان. وفرق بين قولنا : بالضرورة ليس ، وبين قولنا : ليس بالضرورة. فكذا هاهنا : فرق بين قولنا : لم يصدر عنه الألف ، وبين قولنا : صدر عنه ما ليس بالألف. والدليل القاطع على هذا الفرق : أنه لولاه لوجب أن لا يقبل الجسم الواحد ، إلا صفة واحدة. لأنه لو قبل صفتين مختلفتين ، لزم أن يصدق عليه : أنه قبل تلك الصفة ، وأنه ما قبلها. وذلك محال (٢) وأيضا : لو صح ما قالوه ، لزم أن لا تحصل الذات الواحدة إلا وقتا واحدا ، إلا أنه لو حصل في هذا الوقت ، وحصل أيضا في الوقت الثاني ، لوجب أن يصدق عليه : أنه حصل في هذا الوقت ، وأنه لم يحصل في هذا الوقت. ولما كان ذلك باطلا ، فكذا ما قالوه.
والجواب عن الحجة الثالثة : إنه لما حصلت الطبيعة النارية ، ولم يوجد التبريد ، وحصلت الطبيعة المائية ، ولم يوجد التسخين ، استدللنا بتخلف هذا الأثر عن ذلك المؤثر ، على اختلاف ماهية المؤثرين [فأما لو لم يوجد هذا التخلف ، فلا نسلم أن مجرد اختلاف الأثرين يدل على تغاير المؤثرين (٣)] وهل النزاع إلا فيه؟
والجواب عن الحجة الرابعة : إن العلة يمتنع كونها متساوية للمعلول في الماهية ، لأنه ثبت في العقل : أن المتماثلات في تمام الماهية ، يجب استواؤها في جميع اللوازم ، فلو كانت العلة مماثلة للمعلول في تمام الماهية ، لم يكن أحدهما
__________________
(١) من (ط ، س).
(٢) باطل (ط ، س).
(٣) من (ط ، س)