يجوز أن يقال : المعلول الأول فيه : إمكان ، ووجود ، ووجوب بالغير. وهذه الثلاثة تكون عللا لمعلولات ثلاثة ، ثم إنا أجبنا عنه ، وبينا بالوجوه الكثيرة : أنه لا يجوز جعل الإمكان والوجود : عللا لهذه الموجودات. فمن انتهى إلى هذا الفصل ، وجب [عليه (١)] أن يتأمل في تلك الوجوه حتى يظهر له ضعف هذه المقالة.
ثم إنا نزيد في هذا المقام وجوها أخرى :
[فالسؤال] (٢) الأول : إن قولكم : «إن إمكانه حصول من ذاته ، ووجوده حصل من علته : مشعر بأن تلك الذات مغايرة للوجود» فنقول : تلك الذات من حيث هي هي [إما أن تكون غنية عن الفاعل ، أو تكون محتاجة إلى الفاعل. فإن كان الأول ، فالذات من حيث هي هي (٣)] واجبة التحقق لذاتها. وذلك محال. وإن كانت محتاجة إلى الفاعل ، وذلك الفاعل هو المبدأ [الأول (٤)] فحينئذ يكون المبدأ الأول علة لتلك الماهية ، وعلة لذلك الوجود ، فيكون قد صدر عنه أمران. وذلك يبطل أصلا (٥) كلامكم.
السؤال الثاني : وهو أنا إذا جعلنا تلك الذات علة لذلك الإمكان ، فإما أن يكون ذلك الإمكان عدما محضا ، أو صفة موجودة. فإن كان الأول امتنع جعله علة الفلك الأقصى ، لأن المعدوم لا يكون علة للموجود. وإن كان الثاني فنقول : اقتضاء الماهية لإمكان نفسها ، سابق على وجودها ، فيلزم أن يكون الشيء قبل وجود نفسه ، علة لقيام صفة موجودة [به (٦)] وذلك محال.
السؤال الثالث : وهو أنكم لو اكتفيتم بهذا القدر من الكثرة ، في كونه علة للمعلومات الكثيرة ، فاكتفوا بما هو أحسن منه. وذلك لأن البارئ تعالى
__________________
(١) من (ط ، س).
(٢) زيادة.
(٣) من (ت).
(٤) من (ط ، س).
(٥) مذهبكم (ط ، س).
(٦) من (ط ، س).