أيضا أن يوجب سائر الحوادث. وإذا جوزنا ذلك ، فحينئذ لا يمكننا الاستدلال بحدوث الحوادث على وجود الإله الحكيم. والثالث أيضا باطل. لأن الكلام الذي ذكرناه في تخصيص ذلك الوقت ، بالشروع في إحداث العالم ، عائد بعينه في تخصيص ذلك الوقت بتلك الخاصية. وأما القسم الثاني : وهو أن يقال : الإله الحكيم شرع في الإحداث والتكوين في ذلك الوقت ، بعد أن كان تاركا له مدة غير متناهية ، من غير سبب اختص به ذلك الوقت: كان ذلك محض العبث. ومثل هذا الفعل لا يليق البتة بالفاعل الحكيم. ألا ترى أنا إذا رأينا رجلا حكيما عاقلا ، أمسك عن نوع من أنواع الفعل سنين طويلة ، وجلس في زاوية داره (١) ساكتا ، تاركا [لذلك (٢)] الفعل بالكلية ، ثم إنه بعد الأدوار الطويلة قفز دفعة واحدة ، وشرع في العمل بالجد العظيم ، والاجتهاد التام. فإن كل عاقل يقول له : ما السبب الذي اقتضى انتقالك من الإعراض إلى الشروع ، ومن الترك إلى الفعل؟ فإن قال : لم يحدث البتة سبب اقتضى ذلك ، فكل أحد من العقلاء يقول : إن هذا لا يليق بالعقلاء والحكماء، فإنه إن كان الترك أصوب ، فلم انتقلت منه إلى الفعل لا لسبب؟ وإن كان الفعل أصوب ، فلم تركته قبل ذلك لا لسبب؟ فيثبت : أن الانتقال من الترك الأزلي ، إلى الفعل من غير [سبب (٣)] البتة لا يليق بالفاعل الحكيم البتة. أما الفاعل السفيه ، فإنه لا يليق به ذلك. ألا ترى أن الصبيان والمجانين قد ينتقلون من الفعل إلى الترك تارة ، ومن الترك إلى الفعل أخرى ، من غير سبب يقتضي [ذلك (٤)] ومن غير موجب يوجبه. والعقلاء لا يستبعدون حدوث (٥) مثل هذه الحالة عن الفاعل الجاهل العابث. فيثبت أن ابتداء القصد إلى التكوين لا يليق بالفاعل الحكيم. وإنما يليق بالفاعل الجاهل. فوجب إثبات
__________________
(١) بيته (ط).
(٢) من (ط).
(٣) من (ت).
(٤) من (ت).
(٥) من صدور (ط).