وأما الحجة الثانية : فزائلة [أيضا (١)] على هذا المذهب. لأنه كان الواجب الاحتراز عن التركيب بين النفس والجسد ، حتى لا تنفتح أبواب الآفات والشرور ، إلا أن النفس لجهلها لما شرعت فيه ، فالإله الحكيم دبره على الطريق الأصوب الأصلح. فكل ما حصل في هذا العالم من الخيرات والراحات ، فهو بسبب تدبير الإله الحكيم ، وكل ما حصل فيه من الآفات والآلام ، فهو بسبب أن الهيولى لا تقبل الصلاح الكلي. والنفس لشدة جهلها وعشقها ابتدأت بالشروع فيه.
وأما الحجة الثالثة : فزائلة أيضا. لأنا لو قلنا : إنه تعالى هو الذي خلق الحاجة ثم أعطاها المحتاج إليه ، كان ذلك عبثا ، بمنزلة من يمزق بطن إنسان ، ثم يداويه. أما لما جاء فتح باب الشرور بسبب تعلق النفس بالهيولى ، وأما الإله الحكيم الرحيم ، فإنه يسعى في دفع الآفات وفي تحصيل الخيرات : كان ذلك جاريا مجرى ما إذا استولى مجنون أو معتوه على رجل ، وأوصل إليه أنواعا من المضار والآفات ، ثم إنه يأخذه رجل حكيم ، ويسعى في إزالة تلك الآفات عنه ، وفي إيصال الخيرات إليه ، بقدر الإمكان ، فإن هذا الحكيم على هذا التقدير يستحق الحمد والثناء.
هذه جملة الكلام في تقرير [مذهب (٢)] «محمد بن زكرياء الرازي».
ولا بد (٣) بعد تقرير هذا الكلام من سؤالات وجوابات ليتضح مقصود الرجل من هذا الكلام :
فالسؤال الأول : أن يقال : ذلك الالتفات الذي حصل لجوهر النفس ، حدث لا عن مؤثر ، أو عن مؤثر؟ فإن كان الأول فقد حدث الحادث لا عن مؤثر ، وذلك يسد باب إثبات الصانع. وإن كان عن مؤثر فذلك المؤثر لم (٤) لم
__________________
(١) من (ط).
(٢) من (ط).
(٣) ولا تقرير بعد هذا الكلام (ط).
(٤) لو لم يفعل ذلك الخاصية (ت).