يفعل ذلك الخاطر قبل ذلك الوقت؟ فإن كان ذلك لخاصية في ذلك الوقت ، فلم لا يجوز أن يقال : الفاعل [الحكيم (١)] خص ذلك الوقت بالإحداث لخاصية فيه؟ وإن كان لسبب آخر ، فلم لا يجوز مثله هاهنا؟
أجاب «محمد بن زكرياء» عنه فقال : «إن هذا السؤال لازم على الكل. لأنكم تقولون : إن الإله تعالى قصد إلى إيجاد العالم في ذلك الوقت المعين ، بعد أن كان تاركا للفعل (٢) مدة غير متناهية. فإذا عقلتم هناك ، فلم لا يجوز مثله هاهنا؟ بل نقول : قد بينا : أن مثل هذا العبث والخراف ، أليق بالجاهل السفيه منه بالحكيم العليم.
وأما الفلاسفة : فإنهم قالوا : إن الحركات الفلكية إنما حدثت جزءا فجزءا ، لأن كل حادث سابق ، يعدّ المحل لقبول الحادث اللاحق ، وهكذا لا إلى أول. وإذا عقل ذلك [هناك (٣)] فلم لا يعقل مثله هاهنا؟».
والسؤال الثاني : إن هذا الكلام يقتضي أن يكون الحكيم الكامل ، قصد إلى إيجاد هذا العالم الشريف ، والأفعال الكاملة التامة ، تبعا لفعل فاعل جاهل خسيس. وهو بعيد جدا.
أجاب عنه : «بأن هذه الأفعال الشريفة الكاملة ، لو كانت خالية عن [جميع (٤)] جهات المفسدة والضرر ، لما كان بنا حاجة إلى إسناد أول الفعل إلى الفاعل الجاهل. أو لما دلت الوجوه الثلاثة المذكورة على أنه لا يجوز إسناد ابتداء هذا الفعل إلى الفاعل الحكيم ، لا جرم قلنا : بأن المبتدئ بالفعل هو الفاعل الجاهل ، ثم أسندنا كل ما حصل في هذا العالم من الخير والرحمة والصلاح والمنفعة ، إلى الفاعل الحكيم الرحيم ، كان ذلك هو الواجب (٥) الذي لا محيص
__________________
(١) من (ط).
(٢) للوقت مدة متناهية (ت).
(٣) من (ط).
(٤) من (ت).
(٥) الواحد (ت).