الحجة الرابعة : قالوا : لو كان العالم حادثا ، لكان الفاعل الأول لم يزل (١) غير فاعل، وكل ما لم يكن [فاعلا (٢)] فإنه يصير فاعلا على وجه الحكمة ، إلا عند تغير شيء ، لا يكون ذلك التغير (٣) من قبله. وذلك في حق الله تعالى محال. فكان يجب أن يمتنع أن يصير فاعلا [بعد أن لم يكن فاعلا (٤) ولما كان [هذا (٥)] باطلا ، علمنا أنه كان فاعلا لم يزل. فيفتقر هاهنا إلى تقرير مقامين :
المقام الأول : إن الفاعل الحكيم يمتنع أن يكون فاعلا بعد أن كان غير فاعل ، إلا عند تغير شيء لا يكون ذلك التغير من قبله. والدليل عليه : إنا إذا فرضنا رجلا [كان (٦)] جالسا عندنا مدة طويلة باختياره [ثم إنه قام عنا باختياره (٧)] فهذا التبدل إنما حصل ، لأنه حصل تبدل في حالة من الأحوال ، إلا (٨) باختياره ، مثل إنه قرب وصول الليل ، فقام الرجل عن ذلك المكان ، لذلك السبب. أو تذكر مهما كان [قد (٩)] نسيه ، أو وصل إليه خبر كان غافلا عنه. فإذا لم يحدث البتة حادث ، ينقل هذا الرجل عن الرأي الأول إلى ضده، امتنع أن يتبدل حاله في الفعل والترك. ونقول : هذا إما أن يكون ممتنعا ، أو أن لم يمتنع. لكنه يكون سفها ، فإن الرجل إذا كان جالسا في داره مدة سبعين سنة ، ولم يتحرك ولم يشتغل بمصلحة (١٠) ولا بإصلاح حال ، ثم نفر بعد ذلك دفعة واحدة بجد عظيم ، واجتهاد شديد ، وشرع في الأعمال ، وفي نظم المهمات. فإذا قيل له. وما السبب الذي اقتضى الانتقال من الفراغ المتقدم ، إلى هذا الاشتغال التام؟ فإذا لم يذكر فيه سببا البتة ، كان ذلك إما ممتنعا في نفسه ، أو كان محض العبث والسفه. فيثبت بهذا أن القائل المختار الحكيم لا ينتقل من الترك إلى الفعل إلا بسبب متغير ، ويجب أن يكون ذلك التغير لا من
__________________
(١) يكن (ت)
(٦) من (س)
(٢) من (ط ، س)
(٧) من (ط)
(٣) المتغير (ت)
(٨) لا (ط)
(٤) من (ط)
(٩) من (ط ، س)
(٥) من (ط)
(١٠) بمهم (ط)