الأول ، وإحداث للجسمين الحاصلين بعد القسمة : في غاية البعد عن العقل. فإنه يقتضي أن من غمس إصبعه في البحر ، فقد أعدم البحر الأول ، وأحدث بحرا جديدا. وذلك لا يقوله عاقل. ومن أشار إلى جانب من جوانب الفلك ، فهذه الإشارة توجب حدوث ذلك الامتياز ، فوجب أنه لما أشار إلى الفلك ، فقد أعدم الفلك ، وأحدث هذا الفلك. وذلك لا يقوله عاقل.
الطريق الثاني في الجواب عن السؤال المذكور : ما تكلفه بعض الناس فقال : «قد ثبت أن الجسم البسيط في نفسه شيء واحد ، وشهد أنه قابل لانقسامات غير متناهية. بمعنى : أنه لا ينتهي في الصغر إلى حد ، إلا ويقبل بعده الانقسام. وثبت : أنه لا يمكن خروج تلك الانقسامات التي لا نهاية لها ، إلى الفعل. ومجموع هذه الانقسامات يقتضي : أن الجسمية مستلزمة للاتصال. بمعنى : أنه إلى أي حد وجد في الصغر ، فإن الباقي بعد ذلك متصل. فهذا الاتصال يكون من لوازم الجسمية. ولا شك أن الجسم قابل للانفصال ، والشيء الواحد لا يكون مستلزما للشيء ، وقابلا لنقيضه. فوجب أن يكون الجسم مركبا من شيئين. أحدهما : الجسمية التي هي مستلزمة للاتصال. والآخر : الهيولى التي هي قابلة للانفصال. فثبت : أنه لا بد وأن يكون الجسم مركبا من جزءين. أحدهما : حال في الآخر».
واعلم : أن هذا الوجه أيضا ضعيف : وبيانه من وجوه :
الأول : لم لا يجوز أن يقال : الجسم من حيث إنه جسم ، يقتضي كونه متصلا ، لو لا القاسر. فأما إذا ورد القاسر ، فإنه يقبل الاتصال. فلا يبعد في الشيء الواحد أن يقبل أمرين متضادين ، بحسب شرطين مختلفين. ألا ترى أن الطبيعة توجب السكون ، بشرط حصول الجسم في المكان الطبيعي ، والحركة ، بشرط كونه حاصلا في الحيز القريب؟ فكذا [هاهنا (١)] هذا الجسم إذا نزل وحده كانت جسميته مقتضية للاتصال ، أما إذا وصل إليه القاسر ، فإنه يقبل ذلك التفريق والانقسام.
__________________
(١) وهكذا هذا الجسم (م).