الوجه الثاني في الاعتراض : إن مدار كلامهم على أن الشيء الواحد لا يكون مستلزما للشيء ، وقابلا لنقيضه. وهذا أيضا وارد عليهم. لأن الهيولى مستلزمة للصورة ، والصورة مستلزمة للاتصال ، ومستلزم المستلزم : مستلزم. فالهيولى مستلزمة للاتصال. وقابلة للانفصال. [فثبت : أن هذا محال ـ على قانون قولهم ـ لازم.
الثالث : إنهم يقولون : الجسمية مستلزمة للاتصال ، والهيولى قابلة للانفصال (١)] وهذا على قانون قولهم باطل. لأن الانفصال عبارة عن حصول كل واحد من القسمين ، بحيث يتخللهما حيز فارغ. وهذا المعنى إنما يعقل حصوله في الشيء [الذي (٢)] يكون له اختصاص بحيز وجهة. والهيولى عندهم ليس لها حصول في حيز ، ولا اختصاص بجهة. وإذا كان الأمر كذلك ، امتنع كونها قابلة للانفصال. فإن التزموا أن الهيولى لها في حد ذاتها المخصوصة ، حصول في حيز ، واختصاص بجهة. فنقول لهم : بهذا. الهيولى هو الجسم. لأنه لا معنى للجسم إلا ما يكون حاصلا في الحيز ، ومختصا بالجهة.
الرابع : إنكم قلتم : «الانفصال عدم الاتصال ، عما من شأنه أن يتصل» وهذا يقتضي أن يكون الموصوف بالانفصال هو الجسمية. وإذا سلمتم ان القابل للانفصال هو الجسم ، فحينئذ يسقط أصل دليلكم. لأن مدار هذا الدليل ، على أن القابل للانفصال ليس هو الاتصال.
الطريق الثالث في دفع ذلك السؤال المذكور : أن يقال : الجسم موجود بالفعل في كونه جسما ، وهو بالقوة في سائر الصفات والأعراض. والشيء الواحد لا يكون بالقوة وبالفعل بالاعتبار الواحد. فوجب حصول التركيب فيه. واعلم أن هذا هو الحجة الثانية التي نقلناها عن القوم.
__________________
(١) من (ط).
(٢) من (ط).