لهم والعناية بهم وتشجيعهم ومساعدتهم مهما كانت طبقتهم ، وترجيحهم على الذين يترفعون عن كلمة الحق والدعوة إليه ويظهرون الغرور والاستغناء مهما علت مراكزهم ، وإيجاب معاملة هؤلاء بالإهمال والاستهانة تأديبا لهم ولأمثالهم ، وفيها تقرير الأفضلية بين الناس لذوي النيات الحسنة والصلات الصادقة في الخير بقطع النظر عما يكونون عليه من فضل أو تأخر في الدرجات الاجتماعية.
وفي الآيتين الأخيرتين خاصة تطمين للنبي صلىاللهعليهوسلم وتقرير لمهمته. فمهمته التذكير والدعوة لا الإلزام ، وفيهما توكيد تقرير المشيئة والاختيار للإنسان بعد بيان طريق الهدى والضلال والحق والباطل ؛ وتقرير مسؤولية كل امرئ عن عمله ، فمن اهتدى فقد نجى نفسه ومن ضل فقد أهلكها. وهذا كله مما تكرر تقريره في كثير من المناسبات وفي ذلك تلقين جليل مستمر المدى يجب على المسلمين وخاصة أصحاب الدعوات الإصلاحية والاجتماعية والسياسية أن يسيروا على ضوئه في صلاتهم بالناس.
وبعض مفسري الشيعة يروون أن العتاب ليس موجها إلى النبي صلىاللهعليهوسلم لأنه لا يمكن أن يصدر منه ما يستوجب عتابا. وإنما هو موجه إلى عثمان بن عفان رضي الله عنه أو أحد بني أمية من كان حاضرا مجلس النبي صلىاللهعليهوسلم حينما جاء الأعمى فأظهر تقززه منه (١). غير أن جمهور المؤولين والرواة على أنه موجه إلى النبي صلىاللهعليهوسلم. وفحوى الآيات ينطوي على دلالة تكاد تكون حاسمة على ذلك. والمتبادر أن روايات الشيعة منبثقة من هواهم وبغضهم لعثمان وبني أمية. وهذا ديدنهم في كل مناسبة مماثلة على ما نبهنا عليه في سياق سورة الليل.
(فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (١٣) مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ (١٤) بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (١٥) كِرامٍ بَرَرَةٍ (١٦)) [١٣ الى ١٦]
(١) صحف : الجمهور على أن الكلمة تعني الفصول القرآنية التي كانت توحى إلى النبي صلىاللهعليهوسلم. وقد قال بعض المفسرين إنها صحف أعمال الناس التي
__________________
(١) انظر الجزء الثاني من كتاب التفسير والمفسرون السابق الذكر ص ١٦٧ و ١٩١.