الذين آمنوا وعملوا الصالحات يسوغ القول إنه أريد أن يقال إن الله عزوجل قد خلق الإنسان على أحسن تقويم عقلي وجسمي وجعله موضع اختبار فمن آمن وعمل صالحا كان له الأجر الذي لا ينقطع من الله ومن شذّ عن ذلك ارتكس إلى أحط الدركات في الدنيا والآخرة.
ونسبة رد الإنسان الشاذ إلى أسفل سافلين إلى الله لا ينقص القول إن الله قد جعله موضع اعتبار ورتب ما يستحقه على اختباره على ضوء آيات قرآنية عديدة منها آيات سورة البقرة هذه : (يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ (٢٦) الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (٢٧)).
أما الآيتان الأخريان فهما نتيجة للمقدمة أو البرهان الذي احتوته الآية الرابعة وهو خلق الله الإنسان في أحسن تقويم. والبرهان مستحكم في السامعين لأنهم يؤمنون به على ما حكته عنهم آيات عديدة منها آية سورة يونس هذه : (قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ (٣١)) وآية سورة الزخرف هذه : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (٩)) وآية سورة الزخرف هذه أيضا : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (٨٧)) والسورة كما هو ظاهر من نوع السور العامة المبشرة المنذرة وهي قريبة المدى إلى سورة العصر.
ولقد قلنا في التعريف أن (الْبَلَدِ الْأَمِينِ) هي مكة التي جعلها الله أمانا للناس وحرم سفك الدم فيها. وفي سورة النمل جملة فيها هذا المعنى صريح أكثر وهي : (إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَها) [٩١]. واسم مكة ورد في آية سورة الفتح هذه : (وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ) [٢٤] وفي القرآن اسم آخر لمكة وهو بكة وقد ورد في آية