البقرة وآل عمران بجملة (مَقامِ إِبْراهِيمَ) وجملة (آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ) حيث كانوا يرون أثرا في حجر كبير لقدم إنسانية ويتداولون أنه الحجر الذي كان يقف عليه إبراهيم فيما كان يرفع قواعد البيت مع إسماعيل على ما ذكرته آيات البقرة وانطبع عليه أثر قدمه فسموه مقام إبراهيم ، وقد أقر القرآن التسمية وأمر المسلمين باتخاذه مصلى.
ولقد أشار ديودور الصقلي من أهل القرن الأول قبل الميلاد إلى الكعبة في سياق كلام عن الأنباط حيث قال : «ووراء أرض الأنباط بلاد فيها هيكل يحترمه العرب كافة احتراما كبيرا» (١) وحيث يدل هذا على تقدم وجود الكعبة على زمنه بمدة طويلة وعلى ما كان لها من احترام شامل.
والقرآن يقرر أنه (أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ) آل عمران [٩٦]. والمؤولون (٢) يؤولون الجملة بأنها أول بيت قام في الأرض لعبادة الله. ويروي المفسرون (٣) في سياق ذلك روايات كثيرة عن هذه الأولية. منها أن الله قد خلق الكعبة قبل الأرض بألفي سنة إذ كان عرشه على الماء ودحيت الأرض من تحته. وإن الله بعث الملائكة فبنتها على مثال بيت لعبادتهم في السماء اسمه البيت المعمور. وإنها كانت موجودة قبل آدم أو أن آدم هو أول من بناها بأمر الله على مثال ذلك البيت وطاف بها. وأنها رفعت زمن الطوفان إلى السماء أو هدمت به فأمر الله إبراهيم وإسماعيل بإعادة بنائها في مكانها الذي كشف الله لهما عنه وعلى مثالها الأول. وهناك من قال إن هذه الأولية تعني كون الكعبة أول مكان جعل للناس قبلة ومحجا وأمانا لمن يدخله أو أول بيت وضعت فيه البركة. وليس شيء من هذه الروايات واردا في كتب الأحاديث المعتبرة وإن كان القولان الأخيران هما على ما يتبادر الأكثر ورودا ووجاهة.
__________________
(١) انظر تاريخ العرب قبل الإسلام لجرجي زيدان ص ٢٤٤.
(٢) انظر تفسير آيات البقرة وآل عمران والحج المذكورة وآيات سورة إبراهيم [٢٥ ـ ٤٠] في كتب تفسير الطبري والبغوي والخازن وابن كثير والقاسمي وغيرهم.
(٣) المصدر نفسه.