ونحن نرجّح المعنى الأول لأنه متساوق مع مفهوم القسم الذي بدأت به السورة فالله سبحانه يقسم بمكة التي شرّفها الله بحلول النبي أو بعثته فيها. أما الرأي الثالثة فقد ذكره معظم المفسرين ناقلا بعضهم عن بعض على الأغلب. ورغم ذلك نراه غريبا. فإن تحليل الله القتال لنبيه في مكة كان في السنة الثامنة للهجرة في سياق فتحها. وبين هذه السورة وذلك الحادث سنون طويلة.
(٣) ووالد وما ولد : تعددت الأقوال التي أوردها المفسرون عن هذه الجملة. منها أنها قصدت آدم وذريته. ومنها أنها قصدت إبراهيم وذريته ، ومنها أنها قصدت معناها الطبيعي العام. ولعلّ هذا هو الأوجه.
(٤) كبد : أصل معناها المشقة والشدة. وقد تعددت الأقوال التي أوردها المفسرون في معنى (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي كَبَدٍ) منها أنها في صدد بيان طبيعة الإنسان في المشاقة والمكابدة. ومنها أنها في صدد ما في الإنسان من القوى التي تساعده على تحمّل المشاق. ومنها أن تكون في صدد وصف ما يظل يتعرض له الإنسان من المحن ويندفع فيه من الكد والجهد في الحياة. ومنها أنها بمعنى انتصاب القامة الذي تميّز به الإنسان. ولعلّ الاحتمال الأول هو الأوجه.
(٥) لبدا : كثيرا ومتراكما.
(٦) النجدين : معظم المفسرين على أن النجدين هما طريقا الخير والشرّ. وتكون جملة (وَهَدَيْناهُ) والحالة هذه بمعنى بينّا له.
في الآيات توكيد تقريري وتنديدي بأسلوب القسم لما جبل عليه الإنسان من طبيعة المشاقة والمكابدة ، والاعتداد بقوته وماله ظانا أنه لا يراه أحد ولا يقدر عليه أحد ؛ في حين أن الله قد جعل له عينين ولسانا وشفتين تشهد عليه ويستطيع بها أن يميّز الخير من الشر ، وفي حين أن الله بيّن له معالم طريقي الخير والشر ، وأن الأجدر به أن لا يغترّ ولا يعتدّ ولا يشاقق وأن يختار أفضل الطرق وأقومها.
وقد روى بعض المفسرين أنها نزلت بمناسبة موقف مكابرة وتبجح وقفه أبو الأسد بن كلدة أحد زعماء مكة وأغنياءها وفاخر فيه بما أنفقه من مال في مناوأة