أَعْبُدُ (٣) وَلا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ (٤) وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ (٥) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (٦)) [١ ـ ٦]
في الآيات أمر للنبي صلىاللهعليهوسلم بأن يعلن جاحدي رسالته بخطته بالنسبة لدينهم وعبادتهم. وبأن لهم إذا شاءوا أن يسيروا على نفس الخطة فهو يعبد غير ما يعبدون. ويخضع لغير ما يخضعون ، ويتجه إلى غير ما يتجهون. وهو مسؤول عن تبعة موقفه ، وهم مسؤولون عن تبعة موقفهم ، ولكل من الفريقين دينه الذي ارتضاه لنفسه.
وقد روي أن السورة نزلت بمناسبة مراجعة بعض زعماء قريش للنبي صلىاللهعليهوسلم وطلبهم التشارك في عبادة الآلهة ، فيصلي إلى آلهتهم ويصلون إلى إلهه ، ويحترم آلهتهم ويحترمون إلهه إلى أن يتحقق الفريقان أيّ الدينين خير فيتبعونه (١).
والرواية محتملة الصحة على ما تلهمه روح الآيات ، ويؤيدها آية سورة القلم : (وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ (٩)) التي مر تفسيرها قبل في سياق السورة المذكورة.
على أن من المحتمل أيضا أن تكون نزلت بمناسبة موقف حجاجي بين النبي صلىاللهعليهوسلم والكفار ، ظل هؤلاء معاندين مكابرين فيه فنزلت لإنهاء الموقف. وقد تكرر مثل ذلك في مواقف ومناسبات مماثلة كما جاء في آية سورة يونس هذه : (وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (٤١)) وفي آية سورة يونس هذه أيضا : (قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (١٠٨)) وفي آية سورة الكهف هذه : (وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ) [٢٩] وفي آيات سورة سبأ هذه : (قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ
__________________
(١) انظر تفسيرها في تفسير الطبري وابن كثير والطبرسي وغيرهم.