ذلك ورأيناه بأنفسنا يقع بفتوى بعض المشايخ ، حيث كانوا يفتون بوضع مبلغ الزكاة الواجبة في زنبيل قمح أو أرز ويعطونه لفقير ويقولون له هذا وما فيه زكاة ما لنا فيأخذه ثم ينبري ابن الغني أو أخوه أو عامله فيشتري الزنبيل بما فيه بما يوازي ثمن القمح أو الأرز. وكثير من الذين يمارسون الربا يعمدون إلى حيلة مماثلة. وأدنى إمعان وتدبّر يكفي لإبراز ما في هذا التوسع من وهن سند وضعف منطق وجرأة على الله وقرآنه وحكمته وحدوده فأيوب عليهالسلام قد أقسم على ضرب امرأته. وكان قسمه قد وقع منه في حال اضطراب وألم وفي حق شخص مخلص بريء. والأيمان على ارتكاب الإثم والضرر غير جائزة أصلا كما تلهمه روح آيات القرآن مثل آيات سورة البقرة هذه : (وَلا تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (١) ((٢٢٤) لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (٢٥٥)) ، وآية سورة النور هذه : (وَلا يَأْتَلِ) (٢) (أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى وَالْمَساكِينَ وَالْمُهاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢٢)) وعدم تنفيذها واجب محتم. وقد أقسم النبي صلىاللهعليهوسلم على اجتناب زوجاته فعاتبه الله وأمره بالتحلّل من يمينه على ما جاء في آيات سورة التحريم التي أوردناها قبل وقد أقسم بعض أصحاب رسول الله على مجانبة اللذائذ المباحة فنهاهم الله عن ذلك وأمرهم بالتحلّل من يمينهم على ما جاء في آيات سورة المائدة التي أوردناها قبل أيضا. فالقياس لا يمكن أن يطرد إلّا في المواقف المماثلة والإطلاق فيه يعني تعطيل شرائع الله وحدوده وحكمته في هذه الشرائع والحدود. وتصوير الله في صورة المتناقض العابث جلّ عن ذلك وتعالى. هذا عدا ما في ذلك من أضرار لا تقف عند حد في مصالح الناس وصلاتهم فيما بينهم وفي سلب ثقتهم في بعضهم ومن عدوان على حقوقهم وأموالهم وأعراضهم.
__________________
(١) أي لا تحلفوا بالله لتجعلوا يمينكم ذريعة إلى عدم البرّ والتقوى والإصلاح بين الناس.
(٢) أي لا يحلف الأغنياء بعدم إعطاء أموالهم إلى أناس معينين من ذوي القربى والمساكين والمهاجرين.