الآيات معطوفة على سابقاتها ، وضمائر الجمع الغائب وبخاصة في الآية الأولى عائدة إلى (لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ) المذكورين في آخر الآية السابقة بحيث يصح القول إن الآيات استمرار في السياق السابق.
وقد احتوت تنديدا بالكفار الذين كانوا يقولون عن الفاحشة حينما يفعلونها إنهم وجدوا آباءهم عليها وإن الله قد أمرهم بها افتراء على الله بدون علم وبينة. وأمر للنبي صلىاللهعليهوسلم بالإعلان بأن الله لا يمكن أن يأمر بالفحشاء وإنما الذي أمر به هو العدل والاستقامة وتوجيه الوجوه في العبادة والسجود وأماكنهما إليه وحده بكل إخلاص ، وبأن الله سيعيدهم كما بدأهم وبأن الناس فريقان فريق هداهم الله وفريق حقّت عليهم الضلالة. لأنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله ويتوهمون مع ذلك أنهم مهتدون.
ولقد تعددت التأويلات التي يرويها المفسرون (١) لجملة (كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ) منها أن الله يعيد الناس يوم القيامة على حالتهم في الدنيا كافرهم كافر ومؤمنهم مؤمن ومنافقهم منافق. ومنها أن ذلك متصل بالمقدر الأزلي عليهم فمن قدر عليه أن يكون مؤمنا وسعيدا أو كافرا أو منافقا أو شقيا صار كذلك حينما يخرج إلى الدنيا مهما بدا في بعض الظروف غير ذلك. وقد أورد المفسرون في صدد هذين القولين بعض الأحاديث النبوية منها حديث رواه مسلم وابن ماجه عن النبي صلىاللهعليهوسلم جاء فيه : «يبعث كلّ عبد على ما مات عليه» (٢). وفي رواية أخرى : «تبعث كلّ نفس على ما كانت عليه» (٣). وحديث رواه البخاري عن ابن مسعود عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «فوالذي لا إله غيره إنّ أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلّا باع أو ذراع فيسبق عليه الكتاب فليعمل بعمل أهل النار فيدخلها وإنّ أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلّا باع أو ذراع فيسبق
__________________
(١) انظر الطبري والبغوي وابن كثير والخازن.
(٢) النصوص منقولة عن ابن كثير.
(٣) انظر المصدر نفسه.