ذكرت في سور سابقة وعلقنا عليها بما اقتضى. والجديد فيها صراحة إقبال قوم لوط على إتيان الذكور وخبر إهلاك زوجته مع الهالكين. وقد تكرر ذلك في السور التي ذكرت القصة بعد هذه السورة. ولقد ذكرت القصة بما فيها الخبران في سفر التكوين على ما نبهنا عليه في المناسبات السابقة. والمتبادر أن سامعي القرآن يعرفون ذلك عن طريق اليهود. وعبارة السفر المذكور عن زوجة لوط أنها التفتت إلى ورائها فصارت قضيب ملح. وفي آية سورة هود عبارة (إِنَّهُ مُصِيبُها ما أَصابَهُمْ) [٨١] وفي آية سورة النمل عبارة : (إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْناها مِنَ الْغابِرِينَ (٧٥)) وفي آية سورة التحريم [١٠] نسبت إليها خيانة زوجها. وليس بين ما ورد في القرآن وفي سفر التكوين تعارض أو تغاير في المدى العام. ونعتقد أن ما ذكر في القرآن كان متداولا بين اليهود وواردا في بعض قراطيسهم. وفي ذكر هلاك هذه الزوجة مع الهالكين الذين استحقوا الهلاك بسبب بغيهم وانحرافهم عظة قرآنية بليغة ومستمرة التلقين وهي أن القرابة وصلة الدم مهما اشتدّت لا يمكن أن تغني الإنسان شيئا إذا كان سيء العمل والتصرف وأن أحدا لا يغني عن أحد وكل نفس رهينة بما كسبت. وهذا المعنى قد تكرر في آيات كثيرة مرت أمثلة عديدة منها بحيث يصحّ أن يقال إنه من المبادئ القرآنية المحكمة. وفي آية سورة التحريم المذكورة آنفا صراحة بالنسبة لزوجة لوط. وقد نزلت لتكون مثلا وهذا نصها : (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما فَلَمْ يُغْنِيا عَنْهُما مِنَ اللهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ (١٠)).
وعذاب قوم لوط المعبّر عنه هنا بجملة (وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً) عبر عنه في سورة القمر التي مرّ تفسيرها بجملة (إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ حاصِباً) وفي سورة هود بهذه الآية : (فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وَأَمْطَرْنا عَلَيْها حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ (٨٢)) وقد ورد في الإصحاح (١٩) من سفر التكوين هذه العبارة : (وأمطر الربّ على سدوم وعمورة كبريتا ونارا من السماء وقلب تلك المدن وكل البقعة