أنه يرجع تاريخيا إلى أربعة عشر قرنا دليل قاطع على أن في ما كان متداولا في أيدي اليهود والنصارى من أسفار إشارات إلى صفة النبي صلىاللهعليهوسلم ورسالته. فقد جاء في سورة الصف مثلا : (وَإِذْ قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يا بَنِي إِسْرائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ) [٦] وهناك آيات تذكر أن أهل الكتاب كانوا يعرفون النبي صلىاللهعليهوسلم كما يعرفون أبناءهم ويعرفون أن الكتاب المنزل عليه هو حقّ من الله وأن ما أنزل إليه هو حق كما يعرفون أبناءهم مثل آية سورة البقرة هذه : (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (١٤٦)) وآية سورة الأنعام هذه : (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمُ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (٢٠)) وهذه (أَفَغَيْرَ اللهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتابَ مُفَصَّلاً وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (١١٤)) مما لا يمكن أن يكون إلّا بسبب ما رأوه من مطابقة تامة بين صفاته وبين ما في أيديهم من كتب.
على أن في أسفار العهد القديم والعهد الجديد المتداولة اليوم إشارات عديدة يمكن أن تكون من جملة ما يدلّ على بعثة النبي صلىاللهعليهوسلم وصفاته. ومن ذلك مثلا عبارة مجيء المعزى بعد انطلاق عيسى عليهالسلام حيث جاء في الإصحاح الخامس عشر من إنجيل يوحنا هذه العبارة : (ومتى جاء المعزى (١) الذي أرسله إليكم من عند الآب روح الحق الذي من الآب ينبثق فهو يشهد لي). وفي الإصحاح السادس عشر هذه العبارة : (إن في انطلاقي خيرا لكم لأني إن لم أنطلق لم يأتكم المعزى ولكني إذا مضيت أرسلته إليكم. ومتى جاء يبكت العالم على الخطيئة وعلى البرّ وعلى الدينونة). وقد أوردنا العبارة على علّاتها ونعتقد أن السيد المسيح الذي ورد في القرآن عن لسانه أنه عبد الله ورسوله لا يمكن أن يقول قولا يشتمّ منه أنه غير ذلك. وفي إنجيل برنابا نصوص كثيرة تماثل ما ذكره القرآن عن
__________________
(١) هذه العبارة مأخوذة من النسخة الكاثوليكية وقد جاء بدلها في النسخة البروتستانتية (كلمة البارقليط).