يقصد من ذكره ودعائه إلّا الدنيا فقط ، ومنهم مسلم يقصد من ذكره الدنيا والاخرة. ثم أمرهم بذكره سبحانه في أيام التشريق ، ونفي الإثم عمّن تعجّل في يومين منها وعمّن تأخّر إلى آخرها ؛ ثم ذكر أنّ ممّن يشهد هذه المناسك فريق المنافقين ، وأنّ من يسمعه يعجبه قوله في الحياة الدنيا ، وأنّه يشهد الله على إخلاصه وهو ألدّ الخصام. وأنّه إذا انصرف من مناسكه سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل ، وأنّه إذا قيل له اتّق الله أخذته العزّة بالإثم.
ثم ذكر أنّ ممّن يشهد هذه المناسك مؤمنين يبتغون بها رضاه ، ويتّقونه حقّ تقواه ؛ ثم خاطب أولئك المنافقين الذين يظهرون الإيمان ، فأمرهم أن يدخلوا في السّلم ، ويتركوا ذلك الفساد في الأرض ، وحذّرهم أن يزلّوا عن ذلك ، وخوّفهم هول يوم القيامة حين يأتي أمره بالحساب والعذاب ، وأمر النّبيّ (ص) أن يذكر لهم ما جرى لبني إسرائيل حين زلّوا ليعتبروا بهم ؛ ثم ذكر السبب في نفاقهم وهو اغترارهم بزينة الحياة الدنيا ، واعتقادهم أنهم أعلى منزلة من المؤمنين الصادقين ، لغناهم وفقرهم. وقد كان هذا هو السبب في كفر من قبلهم ؛ فإنّ الناس كانوا أمّة واحدة قائمة على الحق ، ولم يختلفوا إلّا بسبب البغي والتحاسد والتنازع في طلب الدنيا ، وقد هدى الله المؤمنين الصادقين لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه ؛ ثم ذكر أنّه لا بدّ لمن يريد الاخرة أن يناله من الشدائد والفقر ما نال المؤمنين قبله من الرسل والذين آمنوا معهم (مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ) (٢١٤).
أحكام متفرقة
الآيات [٢١٥ ـ ٢٢٥]
ثم قال تعالى : (يَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلْ ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ) (٢١٥) ، فرجع السياق بعد ذلك الاستطراد إلى الكلام على الأحكام ، وذكر حكم الإنفاق من جهة مصرفه وأنّه يصرف للوالدين ومن ذكر معهما ، ثم حكم فرض القتال ، وأنّه يجوز في الشهر