التخلف عن الجهاد والتظاهر بالإيمان ، والتخلي عن تبعاته. ولا نكاد نجد سورة مدنية تخلو من ذكرهم ، ولفت الأنظار إلى أوصافهم ، وتحذير المؤمنين من كيدهم وخداعهم.
اليهود في المدينة
في ثنايا الحملة على المنافقين ، الذين في قلوبهم مرض ، نجد إشارة إلى شياطينهم. والظاهر من سياق سورة البقرة ، ومن سياق الأحداث في السيرة ، أنّها تعني اليهود الذين تضمنت السورة حملات شديدة عليهم. أما قصتهم أمام الإسلام في المدينة فيمكن تلخيصها بما يأتي :
كان لليهود مركز ممتاز في المدينة ، بسبب أنهم أهل كتاب بين الأمّيين من العرب ـ الأوس والخزرج ـ وكان اليهود يثيرون الفرقة والخصام بين الأوس والخزرج ، فلما جاء النبي (ص) إلى المدينة ، آخى بين المهاجرين والأنصار ، وقضى على الخلاف والنزاع بين الأوس والخزرج ، بسبب أخوّة الإسلام ووحدة المسلمين.
وقد اشتد حقد اليهود وحسدهم للنبي (ص). لقد حسدوه مرتين : مرة لأن الله اختاره رسولا من ولد إسماعيل ، وحسدوه لما لقيه من نجاح سريع شامل في محيط المدينة.
على أنه كان هناك سبب آخر لعداوة اليهود للإسلام منذ الأيام الأولى ، ذلك هو شعورهم بالخطر من عزلهم عن المجتمع المدني الذي كانوا يزاولون فيه القيادة العقلية والتجارة الرابحة والربا المضعف ، وإلا فعليهم أن يستجيبوا للدعوة الجديدة ، ويذوبوا في المجتمع الإسلامي ، وهما أمران ـ في تقديرهم ـ أحلاهما مر.
لهذا كله وقف اليهود من الدعوة الإسلامية موقف التكذيب والإنكار ، رغم يقينهم بصدقها.
(وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللهِ عَلَى الْكافِرِينَ) (٨٩).
(وَلَمَّا جاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ كِتابَ اللهِ وَراءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ) (١٠١).