وَنُقَدِّسُ لَكَ) [الآية ٣٠] ، وقال (وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ) [الشورى : ٥] وقال أيضا (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ) [النصر : ٣] فذلك لان الذكر كلّه ، تسبيح وصلاة. تقول : «قضيت سبحتي من الذكر والصلاة» فقال «سبّح بالحمد». أي : «لتكن سبحتك بالحمد لله». وقوله تعالى (أَتَجْعَلُ فِيها) جاء على وجه الإقرار كما قال الشاعر (١) [من الوافر وهو الشاهد الثالث والثلاثون] :
ألستم خير من ركب المطايا |
|
وأندى العالمين بطون راح |
أي : أنتم كذلك.
وقوله جلّ شأنه (الْأَسْماءَ كُلَّها ثُمَّ عَرَضَهُمْ) [الآية ٣١] ، فيريد عرض عليهم أصحاب الأسماء ، ويدلّك على ذلك قوله (أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ) [الآية ٣١] ، فلم يكن ذلك ، لأنّ الملائكة ادّعوا شيئا ، إنما أخبر عن جهلهم بعلم الغيب ، وعلمه بذلك ، وفعله ، فقال تعالى : (أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (٣١) أي كما يقول الرجل للرجل : «أنبئني بهذا إن كنت تعلم» ، وهو يعلم أنه لا يعلم ، يريد أنه جاهل.
فأعظموه عند ذلك ، فقالوا : (سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا) [الآية ٣٢] بالغيب على ذلك. ونحن نعلم أنه لا علم لنا بالغيب» ، إخبارا عن أنفسهم ، بنحو ما خبّر الله عنهم. وقوله سبحانه (سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا) فنصب «سبحانك» لأنه أراد «نسبّحك» ، جعله بدلا من اللفظ بالفعل ، كأنه قال : «نسبّحك بسبحانك» ، ولكن «سبحان» مصدر لا ينصرف. و «سبحان» في التفسير : براءة وتنزيه قال الشاعر (٢) [من السريع وهو الشاهد الرابع والثلاثون] :
أقول لمّا جاءني فخره |
|
سبحان من علقمة الفاخر |
يقول : براءة منه.
هذا باب الاستثناء
وقوله تعالى (فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ) [الآية ٣٤] ، فانتصب ، لأنّك شغلت
__________________
(١). هو جرير بن عبد الله بن الخطفي ، والبيت في ديوانه ١ : ٨٩ ، ومجاز القرآن ١ : ٣٥ و ١٨٤ و ٢ : ١١٨ و ١٥٠.
(٢). هو الأعشى ميمون بن قيس ؛ والبيت في الصبح المنير ١٠٦ بلفظ «فجره» ، و «الفاجر» في الكتاب ١ : ١٦٣ كما في رواية الأخفش ، وفي مجاز القرآن ١ : ٣٦ و ١٣٢ كذلك.