الفعل بهم عنه ، فأخرجته من الفعل من بينهم. كما تقول : جاء القوم إلّا زيدا» ، لأنّك لمّا جعلت لهم الفعل ، وشغلته بهم ، وجاء غيرهم ، شبّهته بالمفعول به بعد الفاعل ، وقد شغلت به الفعل.
هذا باب الدعاء
وهو قوله تعالى (يا آدَمُ اسْكُنْ) [الآية ٣٥] و (يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ) [الآية ٣٣] و (يا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ) [الأعراف : ١٠٤] فكلّ هذا إنّما ارتفع ، لأنّه اسم مفرد ، والاسم المفرد مضموم في الدعاء ، وهو في موضع نصب ، ولكنه جعل كالأسماء التي ليست بمتمكّنة. فإذا كان مضافا انتصب لأنه الأصل. وإنّما يريد «أعني فلانا» و «أدعو» ، وذلك مثل قوله تعالى (يا أَبانا ما لَكَ لا تَأْمَنَّا) [يوسف : ١١] و (رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا) [الأعراف : ٢٣] ، إنّما يريد : «يا ربّنا ظلمنا أنفسنا» وقوله (رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا) [الآية ١٢٧].
هذا باب الفاء
قوله سبحانه (وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ) [الآية ٣٥] فهذا الذي يسميه النحويون «جواب الفاء». وهو ما كان جوابا للأمر والنهي ، والاستفهام ، والتمنّي ، والنفي ، والجحود. ونصب ذلك كلّه ، على ضمير (١) «أن» ، وكذلك الواو. وإن لم يكن معناها مثل معنى الفاء.
وإنما نصب هذا ، لأنّ الفاء والواو من حروف العطف ، فنوى المتكلم أن يكون ما مضى من كلامه اسما ، حتى كأنه قال «لا يكن منكما قرب الشجرة» ، ثم أراد أن يعطف الفعل اسما ، على اسم ، وهذا تفسير جميع ما انتصب من الواو والفاء. ومثل ذلك قوله جلّ شأنه (لا تَفْتَرُوا عَلَى اللهِ كَذِباً فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذابٍ) [طه : ٦١] (٢) ، هذا جواب النهي و (لا يُقْضى عَلَيْهِمْ
__________________
(١). أي على إضمار «أن» ، وكثيرا ما استعمل الأخفش هذه الكلمة بهذا المعنى.
(٢). وكتابتها في المصحف كما أثبت ، ولكنّها جاءت في الأصل والكتاب ١ : ٤٢١ بفتح الياء والحاء. وقد استشهد بها لجواز الجزم والنصب ، وفي الجامع ١١ : ٢١٥ أنّ ضم الياء وكسر الحاء قراءة الكوفيّين ، وهي لغة تميم ؛ وأنّ فتح الياء والحاء قراءة سائر الآخرين ، وهي لغة أهل الحجاز.