و «أنه الحمد لله». وهذه بمنزلة قوله تعالى (أَفَلا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً) [طه : ٨٩] و (وحسبوا ألّا تكون فتنة) (١) ولكن هذه إذا خفّفت وهي إلى جنب الفعل ، لم يحسن إلّا إن معها «لا» ، حتّى تكون عوضا من ذهاب التثقيل والإضمار. ولا تعوض «لا» في قوله تعالى (أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ) لأنّها لا تكون ، وهي خفيفة ، عاملة في الاسم. وعوّضها «لا» إذا كانت مع الفعل لأنّهم أرادوا أن يبيّنوا أنّها لا تعمل في هذا المكان ، وأنها ثقيلة في المعنى. وتكون «أن» الخفيفة تعمل في الفعل ، وتكون هي الفعل اسما للمصدر ، نحو قوله تعالى : (عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ) (٤) [القيامة] إنّما هي «على تسوية بنانه».
باب من الاستثناء
(وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ إِلَّا أَمانِيَ) [الآية ٧٨] منصوبة ، لأنه مستثنى ، ليس من أوّل الكلام ، وهذا الذي يجيء في معنى «لكن» ، خارجا من أوّل الكلام ، إنّما يريد «لكن أمانيّ» ، و «لكنّهم يتمنّون».
وإنّما فسّرناه ب «لكن» لنبيّن خروجه من الأوّل. ألا ترى أنك إذا ذكرت «لكن» وجدت الكلام منقطعا من أوّله ، ومثل ذلك في القرآن كثير (منه قوله عزوجل) (وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى (١٩) إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ) [الليل] وقوله : (ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِ) [النساء : ١٥٧] وقوله : (فَلَوْ لا كانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلاً) [هود : ١١٦] كأنّه يقول : «فهلّا كان منهم من ينهى» ثم كأنّه قال : «ولكن قليلا منهم من ينهى» ثمّ كأنّه قال «ولكن (٢) قليل منهم قد نهوا» فلمّا جاء مستثنى خارجا من الأوّل انتصب. ومثله (فَلَوْ لا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ) [يونس : ٩٨] كأنه يقول «فهلّا كانت» ثمّ قال : «ولكنّ قوم يونس» ف «إلا» تجيء في معنى «لكنّ». وإذا عرفت أنها في معنى «لكنّ» ، فينبغي أن تعرف خروجها من أوّله. وقد يكون (إلّا قوم
__________________
(١). المائدة ٥ : ٧١ ؛ القراءة المشهورة (وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ) ، وبها نقرأ.
(٢). وردت لكن في الأصل مخفّفة في كل الامثلة ، فورد ما بعدها مرفوع.