انما يتلبس به ان المتوقع من النفس البشرية ان تضيق صدرا بهذا الجهل وبهذا التعنت. وبهذه الاقتراحات السخيفة التي تكشف عن بعد كامل عن ادراك طبيعة الرسالة ووظيفتها. فهل سيضيق صدرك ـ يا محمد ـ وهل سيحملك هذا الضيق على ان تترك بعض ما انزل اليك. فلا تبلغه لهم. كي لا يقابلوك بما اعتادوا عليه. (إِنَّما أَنْتَ نَذِيرٌ) : فواجبك كله ان ننذرهم. (وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ). قال المفسرون كان التحدي من الله لهذا البشر المعاند المتكبر على الترتيب بالقرآن كله أول مرة. ثم تنزل الى الاتيان بعشر سور. ثم تنزل الى سورة من مثله. فاحجموا صاغرين عاجزين. (وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) : أي ادعوا شركاءكم وفصحاءكم. وبلغاءكم وشعراءكم وجنكم وأنسكم. وأتوا بعشر سور فقط مفتريات ان كنتم صادقين في ان هذا القرآن مفترى من دون الله. (فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللهِ). فهو وحده القادر على ان ينزله. وعلم الله وحده هو الكفيل بان المخلوقات كلها عاجزة عن الاتيان بمثله. او بعشر سور أو بسورة من مثله. وبعد هذا التحد من الخالق العظيم. والعجز من المخلوقين يأتيهم التقبيح والتوبيخ : (فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) بعد هذا التحدي واظهار عجزهم ودلالته التي لا سبيل الى مواجهتها بغير التسليم. ولكنهم ظلموا بعدها وهم يكابرون.
لقد كان الحق واضحا ولكنهم كانوا يخافون على ما يتمتعون به في هذه الحياة الدنيا من منافع وسلطان. وتعبيد الناس. لهذا يعقب السياق بما يناسب حالهم فيقول عزوجل :
(مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها وَهُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ (١٥) أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ ما صَنَعُوا فِيها وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٦))