ارْكَبْ مَعَنا وَلا تَكُنْ مَعَ الْكافِرِينَ (٤٢) قالَ سَآوِي إِلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْماءِ قالَ لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِلاَّ مَنْ رَحِمَ وَحالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ (٤٣))
البيان : وفي مدلول هذا الفوران من الماء. بدء أمر الله لنفاد ما وعد وفارت الارض بالماء. وهطل الماء من السماء (قُلْنَا احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ) كأن نظام العملية كان يقتضي ان يؤمر نوح بمراحلها واحدة واحدة في حينها. فقد أمر اولا بصنع الفلك فصنعه. ولم يذكر لنا السياق الغرض من صنعه. ولم يذكر انه اطلع نوحا على هذا الغرض لذلك. (حَتَّى إِذا جاءَ أَمْرُنا وَفارَ التَّنُّورُ) أمر بالمرحلة الثانية : (قُلْنَا احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ) (وَقالَ ارْكَبُوا فِيها بِسْمِ اللهِ مَجْراها وَمُرْساها.) وهذا تعبير عن تسليمها للمشيئة في جريانها فهي في رعاية خالقها وحماه. وما ذا يملك البشر من أمر الفلك في اللجة الطاغية والطوفان (وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبالِ) : ان الهول هنا هولان. هول في الطبيعة الصامتة وهول في النفس البشرية يلتقيان (وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبالِ) وفي هذه اللحظة الرهيبة الحاسمة يبصر نوح فاذا احد اولاده في معزل عنهم ويروح يهتف بالولد الشارد (يا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنا) (وَحالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ) واننا بعد آلاف السنين. لنمسك انفسنا ـ ونحن نتابع السياق ـ والهول يأخذنا كأننا نشهد المشهد امامنا. وهي تجري بهم في موج كالجبال (وَقُضِيَ الْأَمْرُ)
(وَقِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ وَيا سَماءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْماءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٤٤))
البيان : ويوجه الخطاب الى الارض والسماء. بصيغة العاقل. فتستجيب كلتاهما للأمر الفاصل فتبلع الارض وتكف السماء. فابتلعته الارض في جوفها وغار من سطحها (وَقُضِيَ الْأَمْرُ) ورست السفينة على الجودي. (وَقِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) انها جملة مختصرة حاسمة معبرة