البيان : اما نوح (ع) فلا يخرجه هذا التكذيب والتحدي عن صمت النبي الكريم ولا يقعده عن بيان الحق لهم. وارشادهم الى الحقيقة التي عنها غافلون. فقال لهم : ليس علي الا البلاغ المبين اما العذاب فمرده الى الله تعالى وهو الذي يدبر الامر كله.
فاذا كانت سنة الله تقتضي ان تهلكوا بغوايتكم فان هذه السنة. ستمضي فيكم. مهما بذلت لكم من النصح لا يرد قضاء الله عنكم الا اذا أطعتموني وأمنتم كما يريد خالقكم حتى يعفو عنكم فانتم دائما في قبضته وهو المدبر المقدر لأمركم. ولا مفر من لقائه وحسابه وجزائه (إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ).
(وَأُوحِيَ إِلى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلاَّ مَنْ قَدْ آمَنَ فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ (٣٦) وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ (٣٧) وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّما مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَما تَسْخَرُونَ (٣٨) فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ (٣٩))
البيان : فالقلوب القابلة للايمان قد آمنت. اما البقية فليس فيها استعداد ولا اتجاه. (وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّما مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ) والتعبير هو الذي يعطي المشهد حيويته وجدته. فهو يصنع الفلك والجماعات من قومه يمرون فيسخرون. يسخرون من الرجل الذي كان يقول لهم : انه رسول ويدعوهم ويجادلهم فيطيل جدالهم. ثم اذا هو ينقلب نجارا يصنع مركبا في البر. انهم يسخرون لانهم لا يرون الا ظاهر الامر. ولا يعلمون ما وراءه وما سيحل بهم من الدمار.
(حَتَّى إِذا جاءَ أَمْرُنا وَفارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَما آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ (٤٠) وَقالَ ارْكَبُوا فِيها بِسْمِ اللهِ مَجْراها وَمُرْساها إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (٤١) وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبالِ وَنادى نُوحٌ ابْنَهُ وَكانَ فِي مَعْزِلٍ يا بُنَيَّ