مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ (٧٨) قالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ ما لَنا فِي بَناتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ ما نُرِيدُ (٧٩) قالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ (٨٠)
قالُوا يا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُها ما أَصابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ (٨١) فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وَأَمْطَرْنا عَلَيْها حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ (٨٢) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَما هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ (٨٣))
البيان : لقد كان لوط يعرف قومه ، ويعرف ما أصاب فطرتهم من انحراف وشذوذ عجيبين. اذ يتركون النساء ويرغبون في الرجال ، مخالفين الفطرة التي تهدي الى الحكمة البالغة ، التي تمد الحياة بالنسل والتي تجد اللذة الحقيقية في تلبية نداء الحكمة الالهية الازلية ، ولم تختص هذه الحكمة في الانسان فقط بل تشمل جميع الحيوانات والحشرات.
ورأى لوط ما يشبه الحمى في أجساد قومه المندفعين الى داره يهددونه في ضيفه وكرامته فحاول أن يوقظ فيهم الفطرة السليمة ، ويوجههم الى الجنس اللطيف الذي خلقه لهذه الغاية (فَاتَّقُوا اللهَ وَلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي) : فالقضية مقصودة فلا ينفع مع المنحرف تنبيه اذا كان انحرافهم عن علم ودراية. ثم قال لوط : (لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً) : وغاب عن لوط انه يأوي الى ركن شديد. وهو ركن الله عزوجل لا يغلبه غالب : (إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ) (إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ).
فلما جاء موعد تنفيذ الامر (جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها) وهي صورة للتدمير الكامل الذي يقلب كل شيء ويغير المعالم ويمحوها ، وهذا القلب وجعل عاليها سافلها ، اشبه شيء بتلك الفطرة المقلوبة الهابطة ، المرتكسة من قمة الانسان الى درك الحيوان : (وَأَمْطَرْنا عَلَيْها حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ وَما هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ) فهي قريبة من كل جبار عنيد فمتى أراد الخالق العظيم تدميره فلا يحتاج الا الى قوله : (كُنْ فَيَكُونُ* وَقُضِيَ الْأَمْرُ)