ويسخر أهل مدين بنبيهم فيقولون : (انك انت الحليم الرشيد) وهم يعنون العكس من معناه. وكذلك هو عند العرب المثقفين المتحضرين في القرن العشرين ، يعيبون على المتدينين بعض ما يلتزمون به مما أمر الله بفعله أو نهى عن فعله.
ويتوجه شعيب الى تذكير القوم بما أصاب غيرهم من الامم لما عصوا خالقهم وكذبوا أنبيائهم فقال (ع) : (يا قَوْمِ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ ما أَصابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صالِحٍ وَما قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ) ولكن القوم كانوا قد بلغوا من الفساد الروحي ، ومن سوء تقدير القيم حدا لا يوصف (سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كاذِبٌ) : أنا أم أنتم (وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ).
ترقبوا العاقبة التي تنتظرني وتنتظركم ، وفي هذا التهديد ما يوحي بثقته بالمصير.
ويسدل الستار هنا ، على هذه الكلمة الاخيرة الفاصلة وعلى هذا الافتراق والمفاصلة ليرفع هناك على مصرع القوم. وعلى مشهدهم جاثمين في ديارهم. قد أخذتهم الصاعقة التي أخذت قوم صالح ، فكان مصيرهم كمصيرهم. فقد خلت منهم الديار وأصبحوا عبرة لأولي الالباب :
(كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها أَلا بُعْداً لِمَدْيَنَ كَما بَعِدَتْ ثَمُودُ) وطويت صفحة أخرى من العبر والعظة.
(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ (٩٦) إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَما أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ (٩٧) يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ (٩٨) وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ (٩٩) ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْقُرى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْها قائِمٌ وَحَصِيدٌ (١٠٠) وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَما أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا