صالِحِينَ (٩) قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ (١٠))
البيان : لقد كان في قصة يوسف وأخوته آيات وامارات على حقائق كثيرة لمن ينقب عنها وهذا الافتتاح كفيل بتحريك الاتنباه والاهتمام. فهم يتحدثون عن ايثار يعقوب ليوسف وأخيه عليهم :
(إِذْ قالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلى أَبِينا مِنَّا) : فهو يؤثر غلاما وصبيا صغيرين على مجموعة من الرجال الكبار. ثم يغلي الحقد ويدخل الشيطان ، فيختل تقديرهم للوقائع ، وتهون الفعلة الشنعاء وصحة تقديرها للاحداث ، وهكذا لما غلا في صدورهم الحقد برز الشيطان ليقول لهم : اقتلوا ، والتوبة بعد ذلك تمحو ما فات. وانما هي تبرير لارتكاب الجرائم يزينه الشيطان اللعين. كما تزين الكنيسة صكوك الغفار للمجرمين
ولكن ضميرا واحدا فيهم يرتعش لهول ما صمموا عليه : (فقال : (لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ) كأنه يشككهم في أنهم مصرون على ايقاع الاذى بيوسف وهو أسلوب من اساليب التثبيط عن الفعل. واضح فيه عدم الارتياح للتنفيذ. ولكن هذا كان أقل ما يشفي حقدهم ، ولم يكونوا على استعداد للتراجع فيما اعتزموه.
(قالُوا يا أَبانا ما لَكَ لا تَأْمَنَّا عَلى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَناصِحُونَ (١١) أَرْسِلْهُ مَعَنا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ (١٢) قالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غافِلُونَ (١٣) قالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذاً لَخاسِرُونَ (١٤)
فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (١٥) وَجاؤُ أَباهُمْ عِشاءً يَبْكُونَ (١٦) قالُوا يا أَبانا إِنَّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنا يُوسُفَ عِنْدَ مَتاعِنا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا وَلَوْ كُنَّا صادِقِينَ (١٧) وَجاؤُ عَلى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ (١٨))