البيان : (ما لَكَ لا تَأْمَنَّا عَلى يُوسُفَ) : سؤال فيه عتب وفيه استنكار خفي. والتسليم لهم بعكسه وهو تسليمهم يوسف فهو كان ينبغي أن يستبقي يوسف ولا يرسله معهم. ومبادرتهم له بانه لا يأتمنهم على أخيهم مقصود بها استجاشته لنفي هذا الخاطر. فهي مبادرة ماكرة منهم خبيثة.
وردا على العتاب والاستنكار الاول جعل يعقوب ينفي ـ بطريق غير مباشر ـ انه لا يأمنهم عليه ويعلل احتجازه بقلة صبره على فراقه. وخوفه عليه من الذئب.
واختاروا اسلوبا من الاساليب المؤثرة لنفي هذا الخاطر عنه (قالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ)
وهكذا استسلم الوالد الحريص لهذا التوكيد ولذلك الاحراج ، ليتحقق قدر الله وتتم القصة.
(فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ) استقر رأيهم جميعا على أن يجعلوه في غيابة الجب ، حبث يغيب فيه عنهم وفي لحظة الضيق والشدة التي كان يواجه فيها هذا الفزع ، والموت منه قريب. ولا منقذ له ولا مغيث الا الله. وهو وحده مع صغره. وهم عشرة أشداء. في هذه اللحظة اليائسة يلقي الله في روعه انه ناج. وانه سيعيش حتى يواجه اخوته بهذا الموقف الشنيع. وهم لا يشعرون بان الذي يواجههم هو يوسف الذي تركوه في غيابة الجب وهو صغير. سيصير عما قريب عزيز مصر وملكا عليها.
(وَجاؤُ أَباهُمْ عِشاءً يَبْكُونَ ...) لقد ألهاهم الحقد الغائر عن سبك الكذبة ، فكان لالتقاطهم لحكاية الذئب المكشوفة دليلا يخشون ألا تواتيهم الفرصة مرة أخرى. وقد كان أبوهم يحذرهم ذلك ، ويكادون يتهكمون بها. فلم يكن من المستساغ ان يذهبوا في الصباح