ليتركوا يوسف للذئب الذي حذرهم أبوهم منه أمس ، وبمثل هذا التسرع جاؤوا على قميصه بدم كذب لطخوه في غير اتقان فكان ظاهره الكذب حتى ليوصف بانه كذب وما اتقنوا اصطناعه.
(وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا وَلَوْ كُنَّا صادِقِينَ) : وأدرك يعقوب من دلائل الحال ومن نداء قلبه ان يوسف لم يأكله الذئب ، وانهم دبروا له مكيدة ما. وانهم يلفقون له قصة مصطنعة لم تقع (قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ).
(وَجاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وارِدَهُمْ فَأَدْلى دَلْوَهُ قالَ يا بُشْرى هذا غُلامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضاعَةً وَاللهُ عَلِيمٌ بِما يَعْمَلُونَ (١٩) وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ (٢٠)
وَقالَ الَّذِي اشْتَراهُ مِنْ مِصْرَ لامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْواهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ وَاللهُ غالِبٌ عَلى أَمْرِهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٢١) وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (٢٢))
البيان : لقد كان الجب (البئر) على طريق القوافل التي تبحث عن الماء في مظانه في الآبار. وفي مثل هذا الجب الذي ينزل فيه ماء المطر ويبقى فترة ويكون في بعض الاحيان جافا قد انتهى ماؤه.
وجاءت القافلة ـ سميت سيارة من السير الطويل ـ (فَأَدْلى دَلْوَهُ) لينظر الماء واذا به قد تعلق بالدلو غلام. وحقق النظر فاذا هو انسان ففرحوا به واستبشروا بالثمن الغالي الذي سينالونه منه. ولكن الشيء الذي يأتي عفوا بلا تعب يباع رخيصا فباعوه بثمن بخس (وَكانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ) لانهم يريدون التخلص من تهمة استرقاقه وبيعه. وتم كل شيء فعلوه. (وَقالَ الَّذِي اشْتَراهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْواهُ) ويكشف الرجل لأمرأته عما يتوسمه في الغلام من خير ، وما يتطلع اليه من أمل صالح ولعلهما لم يكن لهما أولاد كما تذكر بعض الروايات. ومن ثم