وينتهز يوسف (ع) هذه الفرصة ليبث بين السجناء عقيدته الصحيحة فكونه سجينا لا يعفيه من تصحيح العقيدة الفاسدة والاوضاع الفاسدة ، القائمة على اعطاء حق الربوبية للحكام الارضيين وجعلهم بالخضوع لهم أربابا يزاولون خصائص الربوبية ويصبحون فراعنة.
ويبدأ يوسف مع صاحبي السجن من موضوعهما الذي يشغل بالهما ، فيطمئنهما ابتداء الى انه سيؤول لهم الرؤيا ، لأن ربه علمه علما خاصا جزاء على تجرده لعبادته وحده هو وآباؤه من قبل. وبذلك يكسب ثقتهما منذ اللحظة الاولى بقدرته على تأويل رؤياهما.
ويبدو في طريقة تناول يوسف للحديث لطف مدخله الى النفوس ، وكياسته وتنقله في الحديث في رفق لطيف. وهي سمة هذه الشخصية البارزة في القصة بطولها.
(قالَ لا يَأْتِيكُما طَعامٌ تُرْزَقانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُما بِتَأْوِيلِهِ) : بهذا التوكيد الموحي بالثقة بان الرجل على علم يرى به مقبل الاشياء. (إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ) مشيرا بهذا الى القوم الذي ربي فيهم وهم على غير ذلك. وذكر الاخرة هنا ليقرر ان الايمان بالاخرة كان عنصرا من عناصر العقيدة على لسان الرسل جميعا ، منذ فجر البشرية الاول. ولم يكن الامر كما يزعم الافاكون : (يا صاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ)
وهو سؤال يهجم على الفطرة في أعماقها ويهزها هزّا شديدا. ان الفطرة تعرف آلها واحدا ففيم اذن تعدد الارباب ، ان الذي يستحق أن يكون ربا يعبد ويطاع أمره هو آله واحد (الله الواحد القهار) ان الرب لا بد ان يكون الها يملك أمر هذا الكون ويسيره. ولا ينبغي أن يكون عاجزا عن كفاية من أطاعه وحمايته من كل ما يخاف ويخشى (ما تعبدون من دون الله الا اسماء سميتموها).