البيان : الذي يعلم حال يعقوب (ع) ويعلم ماوراء هذه الاحداث والامتحانات ، ويأتي بكل أمر في وقته المناسب. عند ما تتحقق حكمته في ترتيب الاسباب والنتائج. يتضح له هذا الشعاع من اين جاء الى قلب هذا الشيخ (ع) انه الرجاء في الله عزوجل. والاتصال الوثيق به والشعور بجوده ورحمته. ذلك الشعور الذي يتجلى في قلوب الصفوة المختارة ، فيصبح عندها أصدق وأعمق من الواقع المحسوس الذي تلمسه الايدي وتراه الابصار :
(وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يا أَسَفى عَلى يُوسُفَ ، وَابْيَضَّتْ عَيْناهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ). وهي صورة مؤثرة للوالد المفجوع فينفرد في معزل ، يندب فجيعته.
ويبلغ الحقد بقلوب الجاهلين من بنيه فلا يعزونه على مصابه ولا يعللونه بالرجاء بل بالعكس :
(قالُوا تَاللهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهالِكِينَ). وهي كلمة حانقة مستنكرة فكأنهم يقولون ان يوسف ميئوس منه قد ذهب ولن يعود. ويرد عليهم الرجل بان يتركوه لربه فهو لا يشكو لأحد من خلقه ويعلم ما لا يعلمون (إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللهِ) وفي هذه الكلمات يتجلى الشعور بحقيقة الالوهية في هذا القلب الموصول بخالقه. وهذه قيمة الايمان بالله ومعرفته سبحانه هذا اللون من المعرفة. والقلب الذي ذاق حلاوة الايمان بخالقه ، لا يدركه الا من ذاق مثله.
(يا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ). فاما المؤمنون الموصولة قلوبهم بالخالق العظيم ، الشاعرة بنفحاته الندية ، فانهم