ولم يكن بد من رسالة مفصّلة ، لتربية هؤلاء القوم ومن أجل هذه الرسالة كانت مواعدة الله لعبده موسى (ع). وكانت هذه المواعدة ثلاثين ليلة أضيفت اليها عشر فبلغت عدتها أربعين ليلة ، والقى موسى الى أخيه هارون ـ قبل مغادرته ـ بوصيته تلك :
(وَقالَ مُوسى لِأَخِيهِ هارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ).
وقد تلقى هارون النصحية ، فالنصيحة تحفة لكل مخلوق حي عاقل رشيد.
(وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقاتِنا) فلما وصلوا الى الجبل طلبوا منه أن يريهم الله جهرة كما يرى بعضهم بعضا فتعوذ موسى من قبح كلامهم واستعظم الامر فأمره الله أن يطلب منه ذلك بلسان قومه ، فعندئذ امتثل أمر ربه وقال بلسان قومه :
(قالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قالَ لَنْ تَرانِي) وخر موسى وقومه صعقا فلما أفاق استغفر ربه).
(قالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا).
وأدركت موسى رحمة الله فاذا هو يتلقى البشرى (إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ) (فَخُذْ ما آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ ، وَكَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ) (سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ) ويستحيل أن يتكبر في أرض المولى عبد مطيع له ، لانه ليس من شأن العبيد التكبر على المولى بارضه وفي ملكه الا ان يكون من الآبقين ، (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ).
والذين يغفلون عن قدره وآثاره الباهرة ، انما يخدعهم الانتفاخ