تبدأ بها بعض السور. والتي اخترنا في تفسيرها انها نماذج من الحروف الهجائية التي يتألف منها هذا القرآن فيجيء نسقا جديدا لا يستطيعه جميع المخلوقات من انس وجن. مع أنهم يملكون هذه الحروف ويعرفون هذه الكلمات. ولكنهم أعجز وأقصر من أن يقدروا على أن يصوغوا منها مثل ما تصوغه القدرة المبدعة لهذا القرآن. وما ذلك الا لانها صاغة آلهية ركبته ليكون معجزة خارقة لكل مخلوق حرّ الضمير غير مأسور لهواه وشهواته وغرائزه.
(إِذْ نادى رَبَّهُ) : انه يناجي ربه بعيدا عن عيون الناس. بعيدا عن أسماعهم في عزلة يخلص فيها لربه. ويكشف له عما يثقل كاهله ويكرب صدره ويناديه في قرب واتصال (رب) بلا واسطة. حتى ولا حرف نداء. وان ربه ليسمع ويرى من غير دعاء ولا نداء. ولكن المكروب يستريح الى البثّ. ويحتاج الى الشكوى. والله الرحيم بعباده يعرف ذلك من فطرة البشر فيستحب لهم ان يدعوه. وان يبثوه ما تضيق به صدورهم. (وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) ليريحوا أعصابهم من العبء المرهق. وليعلموا الجاهلين بالمصدر لجلب كل محبوب. ودفع كل مكروه وممغوض هو الرجوع الى الخالق العظيم. الذي أقرب لعبده من كل قريب. وأقدر على قضاء حوائجه من كل قدير. وبذلك تطمئن قلوبهم الى أنهم قد عهدوا بأعبائهم الى من هو أقدر واقوى على اجابتهم واعطاء سؤالهم لانه بيده أزمة الامور. واليه يرجع الامر كله. وليلجوا بالركن الذي لا يضام من التجأ اليه ولا يخيب من قصده وتوكل عليه بحق.
وزكريا يشكو الى ربه (وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي) وحين يهن العظم يكون الجسم كله قد وهن لانه قوام البدن. ويشكو البدن اشتعال رأسه