بِدُعاءِ رَبِّي شَقِيًّا (٤٨) فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلاًّ جَعَلْنا نَبِيًّا (٤٩) وَوَهَبْنا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنا وَجَعَلْنا لَهُمْ لِسانَ صِدْقٍ عَلِيًّا (٥٠))
البيان : بهذا اللطف في الخطاب يتوجه الى أبيه. يحاول أن يهديه الى الخير الذي هداه الله اليه. وعلمه اياه. وهو ليحبّب اليه اليه فيخاطبه (يا أبت) اذ كان عمّه وقومه يعبدون الاصنام وأبوه مؤمن مات قبل ولادته.
هذه هي اللمسة الاولى التي يبدأ بها ابراهيم دعوته لابيه. ثم يتبعها بانه لا يقول هذا من نفسه. انما هو العلم الذي جاءه من الله فهداه (فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِراطاً سَوِيًّا).
(يا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطانَ) والشيطان هو الذي يغري بعبادة الاصنام من دون الله ... وابراهيم يحذّر أباه أن يغضب الله عليه فيعاقبه فيجعله وليا للشيطان ـ مع انه عمه وليس أباه حقيقة ـ فما كان الجواب لابراهيم (ع) من عمه آزر الخبيث (لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا).
بهذه الجهالة تلقّى الرجل الدعوة الى الهدى. وبهذه القساوة قابل قول الناصح الشفيق. وكم من الناس الذين يقابلون الاحسان بالاساءة. والنصيحة بالشتائم والسباب. (وَأَعْتَزِلُكُمْ وَما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) وهكذا اعتزل ابراهيم اباه ـ يعني عمه ـ وقومه. وهجر أهله ودياره وتوجه الى الله. بعد أن حطم أصنامهم. فلم يتركه الله وحيدا بل وهب له ذرية صالحة خيرة. (فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ .. وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ) فكانوا صادقين في دعوتهم الى خالقهم العظيم.
(وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مُوسى إِنَّهُ كانَ مُخْلَصاً وَكانَ رَسُولاً نَبِيًّا (٥١) وَنادَيْناهُ مِنْ جانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْناهُ نَجِيًّا (٥٢) وَوَهَبْنا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنا أَخاهُ هارُونَ نَبِيًّا (٥٣)