أدركها كاملة شاملة قلب محمد رسول الله ص وآله. ففاض بها وهو عائد من الطائف. نافض كفيه من الناس. عائد بوجه ربه يقول : (أعوذ بنور وجهك الذي اشرقت به الظلمات. وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة).
ولكن الكيان البشري لا يقوى طويلا على تلقي ذلك الفيض الغامر دائما. ولا يستشرف طويلا ذلك الافق البعيد. فبعد أن جلا النص هذا الافق المترامي بمادى يقارب مداه. ويقربه الى الادراك البشري المحدود فقال (مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ ...) وهو مثل يقرب للادراك طبيعة النور. (الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ) تقيه الريح. وتصفي نوره فيتألق ويزداد (يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ) ونور زيت الزيتون. كان أصفى نور يعرفه المخاطبون. ولكن ليس لهذا وحده كان اختيار هذا المثل. انما هو كذلك الظلال المقدس الذي تلقيه الشجرة المباركة (وَيَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ).
عن الامام الصادق (ع) انه قال : محمد ص وآله كمشكاة ، فيها مصباح فيه نور العلم ، يعني النبوة المصباح في زجاجة. قال علم رسول الله ، صدر الى قلب علي بن ابي طالب (ع) الزجاجة. كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة. قال ذلك علي (ع) نور على نور. الامام في اثر الامام (ع).
(فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ ... رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ).
هناك صلة تصويرية بين مشهد المشكاة هناك. ومشهد البيوت هنا على طريقة التناسق القرآني في عرض المشاهد ذات الشكل المتشابه او المتقاربة. وهناك صلة مثلها بين المصباح المشرق بالنور في المشكاة.