قال له : هو يملكك ويملك آبائك. انها القاصمة فما يطيق عليها سكوتا والملأ حوله يستمعون ومن ثم قابله في تهمة الجنون).
(قالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ) يريد أن يتهكم على مقالة موسى (ع) ليذهب أثر مقالته التي طعن بها فرعون في الصميم ولكن هذا التهكم لا يفتّ في عضد موسى (ع) فيمضي في اظهار الحق المبين.
(قالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَما بَيْنَهُما) والمشرق والمغرب. مشهدان معروضان للانظار كل يوم. ولكن القلوب لا تنتبه اليهما. لكثرة تكرارهما. وهذان الحادثان العظيمان. لا يجرؤ فرعون ولا غيره من المتجبرين أن يدعي ان له دخل في تصرفهما. اذن فمن الذي يصرفهما. بهذا الاطراد والانتظام. ان هذا التوجيه يهز القلوب الحية. ويوقظ القلوب الغافلة وموسى (ع) يقول لهم :
(إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ) والطغيان لا يخشى شيئا كما يخشى يقظة الشعوب. وصحوة القلوب. ولا يكره أحدا كما يكره الداعين الى الوعي واليقظة ولا ينقم على أحد كما ينقم على من يهزون الضمائر الغافلة. ومن ثم ترى فرعون يهيج على موسى (ع) ويثور عند ما يمس بقوله هذا أوتار القلوب. فينهي الحوار معه بالتهديد الغليظ بالبطش الصريح. الذي يعتمد عليه الطغاة عند ما يسقط في أيديهم وتخذلهم البراهين. (قالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلهَاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ) هذه هي الحجة التي يملكها فرعون في رد الحجة والبراهين ببطله وضلاله : التهديد والوعيد لا غير بالبطش والسجن. وهذا هو دليل العجز وعلامة الشعور بضعف الباطل أمام الحق الدافع. وتلك وسمة الطغاة وطريقهم في القديم والجديد.
غير ان التهديد لم يفقد موسى (ع) رباطة جأشه. كيف هو رسول رب العالمين. والله معه أينما كان. فاذا هو يفتح صفحة تهديد