ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (٧٠) وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٧١)
قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ (٧٢) وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ (٧٣) وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ ما تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَما يُعْلِنُونَ (٧٤) وَما مِنْ غائِبَةٍ فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِلاَّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ (٧٥))
البيان : أي قد انتهى الى حدوده. وقصر عن الوصول اليها. ووقف دونها لا يبلغها. (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا : أَإِذا كُنَّا تُراباً وَآباؤُنا أَإِنَّا لَمُخْرَجُونَ) وهذه كانت العقدة التي يقف أمامها الذين كفروا دائما. يقولون هذا وتقف هذه الصورة المادية بينهم وبين تصور الحياة الاخرى. وينسون أنهم خلقوا أول مرة. ولم يكونوا من قبل شيئا. ولا يدري أحدهم أين كانت الخلايا والذرات التي تكونت منها هيا كلهم الاولى. فهل عجب أن يكونوا كذلك في المرة الاخرة. ولكنهم لا يفقهون : (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ).
وهنا يلمس قلوبهم بتوجيهها الى مصارع الذين كذبوا قبلهم بالوعيد. ويسميهم المجرمين. وفي هذا التوجيه توسيع لآفاق تفكيرهم. فالجيل من البشر ليس مقطوعا من شجرة البشرية. وهو محكوم بالسنن المتحكمة فيها. وما حدث للمجرمين من قبل ، يحدث للمجرمين من بعد فان السنن لا تحيد ولا تحابي. والسير في الارض يطلع النفوس على مثل هذا وأحوال ما فيها من عبر وعظة. وفيها تفتيح لنوافذ القلوب. (وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ). وهذا النصّ يصوّر حساسيّة قلب الرسول ص وآله. وحزنه على مصير قومه الذي يعلمه جيدا. (وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ ما تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَما يُعْلِنُونَ) وهو يمهلهم ولا يهمهلم. مع علمه بما تكنه صدورهم والحساب سيجري على كل شيء أعلن أم اخفي (وَما مِنْ غائِبَةٍ فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ). ويجول الفكر في السماء والارض فما فيهما من حركة ولا سكون الا مقيدة بعلم الخبير.