البيان : الناس لطول ما اعتادوا من كر الجديدين ينسون جدتهما المتكررة التي لا تبلى ولا يروعهم مطلع الشمس ولا مغيبها الا قليلا. ولا يهزهم طلوع النهار واقبال الليل الا نادرا. ولا يتدبرون ما في تواليهما من رحمة بهم وانقاذ من البلى والدمار. أو التعطل والبوار.
والقرآن المجيد يوقظهم من جمود الالفة والعادة. ويلفتهم الى تملّي الكون من حولهم ومشاهده العظيمة. وذلك حين يخيل اليهم استمرار الليل أبدا. أو النهار أبدا. فما يكون حالهم حين يخيفهم من عواقب هذا وذاك. وما يشعر الانسان بقيمة الشيء الا حين فقدانه.
والناس يشتاقون الى الصبح حين يطول بهم الليل في أيام الشتاء. ويحنون الى ضياء الشمس فكيف بهم لو فقدوا الضياء أصلا. وهل يبقى على وجه الارض حياة من كل حي.
والناس يستروحون الظلال حين يطول عليهم الهجير في ساعات النهار. ويحنون الى الليل. والحياة كلها مفتقرة الى الليل وهوائه البارد. فكيف بالناس لو ظل النهار سرمدا الى يوم القيامة. فهل يبقى حياة صالحة لمخلوق حي. (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ) القمر (٤٩)
فالليل سكينة وقرار. والنهار نشاط وعمل. والمرجع فيها الى فضل الله الحكيم القدير. الذي اتقن صنع كل شيء وقدره تقديرا. ولكن اكثر الناس عن رحمته وحكمته يغفلون والعاقبة للمتقين.
(وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ) وتصوير يوم النداء. وما فيه من سؤال عن الشركاء. قد سبق في جولة ماضية فهو يعاد هنا لتوكيده. بمناسبة المشهد الجديد. الذي يعرض هنا.(فعلموا انه الحق) الحق كله خالصا لا شبهة فيه ولا ارتياب لأولي الالباب.