القلوب المؤمنة بتدخل القدرة الالهية سافرة. وقد رجحت قيمة الايمان في كفة الميزان. ثم يأخذ في تعقيب أنسب فيقول :
(تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ).
تلك الاخرة التي تحدث عنها الذين أوتوا العلم. العلم الحق الذي يقوم الاشياء قيمتها الحقيقية. تلك الدار الآخرة العالية الرتبة. البعيدة الافاق (نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ) فلا يقوم في نفوسهم خاطر الاستعلاء بأنفسهم. ولا يهجس في قلوبهم الاعتزاز بالدنيا وما فيها. وانما يتوارى شعورهم بأنفسهم ليملأها الشعور بالله الخالق العظيم. ومنهجه العدل المستقيم. الذين يخشون الله ويراقبونه في جميع حركاتهم وتقلباتهم. ويتحرزون من الدنو لما يحتملون فيه غضبه.
(إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ) ولقد ردّ موسى (ع) من قبل الى أمه وفاء لوعده لها. ثم رده بعد خروجه خائفا يترقب. ولكن هذه المرة قد رده وهو رسول الله تعالى ردّه وهو يحمل رسالة السماء الى أهل الارض جميعا. ردّه وهو يحمل التوراة فيها هدى ونور. قد ردّه لينقذ المستضعفين المظلومين. رده ليكافح الظلم والطغيان ويمحيه من عالم الوجود ويخلف هؤلاء المستضعفين في الارض وينظر كيف يعملون حيث أعزّهم بعد الخذلان والعدوان (وَما كُنْتَ تَرْجُوا أَنْ يُلْقى إِلَيْكَ الْكِتابُ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ) وهذا الفات نظر لرسولنا ص وآله.
وهو تقرير قاطع عن عدم تطلع الرسول ص وآله. الى الرسالة. وانما هو اختيار الله عزوجل لان رسالة السماء لا يجوز لأحد ان يتحمل عبء تبليغها وحمل نشرها وعبء صيانتها الا من يختاره الله عزوجل