انهم ليرون كل ذلك بأعينهم. يرونه في النبتة النامية. وفي بيضة الدجاجة. وفي تركيب كل مولود. ووفي كل ما لم يكن ثم كان. مما لا تملك قدرة البشر بأجمعهم مجتمعين عليه. ولذا يقول الله عزوجل (يا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ) سورة الحج آية ٧٢).
فان كانوا يرون انشاء الخلق بأعينهم. فالذي انشأه اول مرة هو اهون عليه ارجاعه ثاني مرة (إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ) ومن المسامحة في اللفظ ان يقال عن الله تعالى هذا يسير عليه. ولكن انما يقرب بذلك الى أفهام البشر المحدودين في كل شؤونهم. فالبدء أسهل من الأعادة بحسب فهم البشر وانما امره اذا قال للشيء كن فيكون. (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ) ان التعبير هنا بلفظ الماضي (كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ) لينظروا كيف بدء الخلق يثير في النفس خاطرا معينا. ترى هنالك في الارض ما يدل. والسير في الارض يفتح العين. والقلب على المشاهد الجديدة. التي تألفها العين ولم يملها القلب. وهي لفتة عميقة الى حقيقة دقيقة. وان الانسان ليعيش في المكان الذي ألفه. فلا يكاد ينتبه الى شيء من مشاهده أو عجائبه حتى اذا سافر وتنقل وساح استيقظ حسه وقلبه الى كل مشهد يراه. والى كل مظهر يمر عليه في الارض جديد. مما كان يمر على مثله او أروع منه في موطنه. دون الالتفات ولا انتباه. وربما عاد الى موطنه بحس جديد. وروح جديدة. ليبحث ويتأمل ويعجب بما لم يهتم به قبل سفره وغيبته. فسبحان منزل هذا القرآن الخبير بمداخل القلوب. (إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) يبدأ الحياة ويعيدها بهذه القدرة المطلقة التي لا تتقيد بتصورات البشر القاصرة. وما يحسبونه قوانين يقيسون عليها الممكن وغير الممكن بما يعرفونه من المحدود فليس كما يتوهمون.