ثم هو زاد الفطرة للخطايا ، الزاد المطمئن الذي يسكب الهدوء والقرار ، وزاد الامل في فضل الله العظيم ، يوم تنفد الاوزاد وتقصر الاعمال.
انها حقيقة : ان تقوى الله تجعل في القلب فرقانا يكشف له منعرجات الطريق ، ولكن هذه الحقيقة ـ ككل حقائق العقيدة ـ لا يعرفها الا من ذاقها فعلا. ان الوصف لا ينقل مذاق هذه الحقيقة لمن لم يذوقوها.
ان الحق في ذاته لا يخفى على الفطرة ، ان هناك اصطلاحا من الفطرة على الحق الذي فطرت عليه. والذي خلقت به السموات والارض ، ولكنه الهوى هو الذي يحول بين الحق والفطرة ، الهوى هو الذي ينشر الغبش ، ويحجب الرؤية ، ويعمي المسالك ويخفي الدروب والهوى لا تدفعه الحجة انما تدفعه التقوى ، تدفعه مخافة الله عزوجل ، ومراقبته في السر والعلن ، ومن ثم هذا الفرقان الذي ينير البصيرة ، ويرفع اللبس ويكشف الطريق المستقيم ، وهو أمر لا يقدر بثمن .. ولكن فضل الله العظيم ، يضيف اليه تكفير الخطايا ، ومغفرة الذنوب ، ثم يضيف اليهما (الْفَضْلِ الْعَظِيمِ).
الا انه العطاء العميم ، الذي لا يعطيه الا الرب الكريم (ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا) : انه التذكير بما كان في مكة ، قبل الهجرة ، حينما تآمرت قريش على قتله بعد موت ناصره ابو طالب (ع) وقد نجاه الله بوقاية علي بن ابي طالب (ع) له ومبيته على فراشه وخروجه الى الغار ثم مهاجرته الى المدينة الى الانصار المتهيئة للقائه.
ولقد كان المسلمون الذين يخاطبون بهذا القرآن أول مرة يعرفون الحالين ـ قبل الهجرة وبعدها ـ معرفة الذي عاش وذاق ، وسمع ورأى.