والصورة التي يرسمها قوله تعالى (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ) صورة عميقة التأثير .. ذلك حين تتراءى للخيال ندوة قريش الضالة ، وهم يتآمرون على قتله واغتياله في الليل المظلم. وقد دبر الله تعالى ـ مقابل مكرهم ـ ونجاه من كيدهم ومكرهم وتدبير الله فوق كل مكر وتدبير فأين هؤلاء البشر الضعاف المهازيل من تلك القوة القادرة ، قدرة خالق الكون وما حواه القوة التي لا تقهر ولا تغلب ، واذا أراد شيئا فحسبه أن يقول له كن فيكون.
والتعبير القرآني يرسم الصورة على طريقة القرآن الفريدة في التصوير. فيهز بها القلوب ويحرك بها اعماق الشعور.
(وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا قالُوا قَدْ سَمِعْنا لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا)
لقد كان الملأ من قريش يعرفون طبيعة هذه الدعوة ، مذ كانوا يعرفون مدلولات لغتهم الصحيحة كانوا يعرفون أن شهادة لا اله الا الله وان محمدا رسول لله ، معناها اعلان التمرد على سلطان البشر كافة ، والخروج من حاكمية العباد جملة والانقطاع الى ألوهية خالق الكون والانسان وحده ثم يختص تلقي هذا التوحيد من قبل محمد وحده. وكانوا يرون الذين يشهدون هذه الشهادة كيف يخرجون من كل مقررات قريش وأضاليلها ، ويوجهون بولائهم كله الى الله.
وحقيقة انه في مكة لم تكن للاسلام شريعة ودولة ، ولكن الذين كانوا ينطقون بالشهادتين كانوا يسلمون قيادهم للارادة الالهية ، والقيادة المحمدية ، ويخصصون ولاءهم للعصبة المسلمة فقط لا غير ، وهذا الذي كان يزعج الملأ من قريش من زحف الاسلام وانتشار القرآن.
وقد كان الملأ من قريش يعمدون الى ما في القرآن من قصص الاولين وقصص الخوارق والمعجزات وفعل الله عزوجل بالمكذبين