وانجائه المؤمنين .. فيقولون للجماهير المستغفلة انها أساطير الاولين ، كتبها محمد ممن يجمعونها وجاء يتلوها عليكم زاعما انه يوحي اليه بها من عند الله. ولا بد أن نقدر أنه كان هناك تأثير لهذه البلبلة في الوسط الجاهلي عند عامة الناس.
على أن الذي انتهى اليه الامر في مكة أن هذه الاساليب لم تعش طويلا وان هذا النوع من المناورات قد انكشفت زيفها بعد حين ولكن العجيب في شأن هذا القرآن ـ على طول الكيد ـ ما يزال هو الغالب والصادق ، والمتحدي لكل من ناوأه ، ان لهذا الكتاب من الخصائص العجيبة والسلطان القاهر على الفطرة ما يغلب به كيد الجاهلية الاولى ، وجاهلية القرن العشرين :
(وَإِذْ قالُوا اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ)
وهو دعاء غريب بصورة من العناد الجامح الذي يؤثر الهلاك على الاذعان للحق ، حتى ولو كان حقا.
ان الفطرة السليمة حين تشك تدعو الله أن يكشف لها عن وجه الحق ، وأن يهديها اليه ولكن حين تفسد هذه الفطرة بالكبرياء الجامحة ، تأخذها العزة بالاثم حتى لتؤثر الهلاك والدمار والعذاب على أن تخضع للحق عند ما ينكشف لها واضحا لا ريب فيه. وبمثل هذا العناد كان مشركوا مكة يواجهون دعوة الحق التي يدعو اليها رسول الله ص وآله :
(وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ، وَما كانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ).
انها رحمة الله تمهلهم ـ وان كانوا يستحقون الهلاك ـ فلا يأخذهم الله تعالى بعنادهم ويعجل هلاكهم.