قوله : (قالَ فِيها تَحْيَوْنَ ،) (١) وقوله : (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً ...) إلى آخر الآيات ؛ ومثله ما في ذيل الآيات في سورة طه من قضيّة تفريق الهابطين فريقين ، فافهم.
وسيأتي في قوله سبحانه : (وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ) (٢) أنّ إسجاد الملائكة لآدم إنّما كان بما أنّه خليفة أرضيّ ، فكان المسجود له هو آدم ، وحكم السجدة لجميع البشر ، فمنزلته من بين البشر ـ في سجدة الملائكة ـ منزلة الكعبة من بين الجهات ؛ وقد قال سبحانه : (فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ) ، (٣) وقال : (فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ). (٤)
وبالجملة ، فيشبه أن تكون هذه القضيّة التي حكاها سبحانه ـ من إسكان آدم وزوجته الجنّة ، ثمّ إهباطهما للأكل من الشجرة ـ كالمثل يمثّل به ما كان الإنسان فيه قبل نزوله إلى الدنيا من السعادة والكرامة والحبور والسرور ، بسكونة حظيرة القدس ، ومنزل الرفعة والقرب ، ودار نعمة وسرور ونور وأنس ، لا شقاء ولا ظلمة ولا وحشة فيها ، مع رفقاء طاهرين وأخلّاء روحانيّين ، وبجوار ربّ العالمين ، ثمّ إنّه يختار بدله كلّ تعب وألم ومكروه ، بالميل إلى حياة فانية وجيفة منتنة دانية ، ثمّ إنّه لو رجع إلى ربّه وأناب إليه ، أعاده إلى دار كرامته وسعادته ، ولو لم يرجع وأخلد إلى الأرض واتّبع هواه ، فقد بدّل نعمة الله كفرا وأحلّ نفسه دار البوار ، جهنّم يصلاها وبئس القرار.
__________________
(١). الأعراف (٧) : ٢٥.
(٢). الأعراف (٧) : ١١.
(٣). البقرة (٢) : ١١٥.
(٤). البقرة (٢) : ١٤٤.