فكونوا أنتم ملتثمين (١) لا يعرف أحد صاحبه ، فاقتلوا بعضكم بعضا ، فاجتمعوا سبعين ألف رجل ممّن كان (٢) عبدوا العجل إلى بيت المقدس ، فلمّا صلّى بهم موسى وصعد المنبر ، أقبل بعضهم يقتل بعضا ؛ حتّى نزل جبرئيل فقال : قل لهم يا موسى : ارفعوا القتل ، فقد تاب الله عليكم ، فقتل منهم عشرة آلاف ، وأنزل الله : (ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بارِئِكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)». (٣)
أقول : والرواية ـ كما ترى ـ تشير إلى كون قوله : (ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بارِئِكُمْ) مقولا لموسى ومقولا له سبحانه ، فتكون إمضاءا لكلمة قالها موسى وكشفا عن كونها تامّة ، على خلاف ما يلوح من الظاهر من نقصها ؛ فإنّ الظاهر يعطي أنّ موسى ـ عليهالسلام ـ جعل قتلهم جميعا خيرا عند بارئهم ، وقد قتل منهم البعض دون الجميع ، فجعل سبحانه ما وقع من القتل هو الخير الذي ذكره موسى ، فمساقه مساق قوله سبحانه في قصّة رؤيا إبراهيم وذبح إسماعيل : (وَنادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ* قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا). (٤)
ثمّ إنّ «البارئ» من الأسماء الحسنى ، كما قال الله تعالى : (هُوَ اللهُ الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ) ، (٥) وقع في ثلاثة مواضع من كلامه ، اثنان منها في هذه الآية ، ولعلّه خصّ بالذكر من بين الأسماء ، لملاءمة معناه المقام ، فهو قريب المعنى من الخالق والموجد ، من برأ براءا ؛ لأنّه يفصل الخلق عن العدم ، أو الإنسان من الأرض :
__________________
(١). في المصدر : «متلثمين»
(٢). في المصدر : «كانوا»
(٣). تفسير القمّي ١ : ٤٦.
(٤). الحشر (٥٩) : ٢٤.
(٥). الحشر (٥٩) : ٢٤.