فكأنّه ـ عليهالسلام ـ يقول : هذه التوبة وقتلكم أنفسكم وإن كان شاقّا أشدّ الأوامر ، فإنّ الذي أمركم بهذا الفناء والزوال هو الذي برأكم ، فالذي أحبّ وجودكم ـ وهو خير لكم ـ يحبّ الآن حلول القتل عليكم ، فهو خير لكم ، وكيف لا يحبّ خيركم وقد برأكم؟!
فاختيار لفظ «البارئ» في قوله : (عِنْدَ بارِئِكُمْ) لهذه العلّة ، وفي قوله : (فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ) لاتّحاد الأمر بالتوبة مع الأمر بالقتل ، والإتيان بلفظ «كم» في المواضع الثلاث : (إِلى بارِئِكُمْ) و (خَيْرٌ لَكُمْ) و (عِنْدَ بارِئِكُمْ) للإشعار بالاختصاص لإثارة المحبّة ، فافهم.
قوله سبحانه : (وَظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ الْغَمامَ ...)
في تفسير القمّي : «أنّ بني إسرائيل لمّا عبر موسى بهم البحر نزلوا في مفازة ، فقالوا : يا موسى أهلكتنا وقتلتنا وأخرجتنا من العمران إلى مفازة لا ظلّ ولا شجر ولا ماء ، وكانت تجيء بالنهار غمامة تظلّهم من الشمس ، وينزل عليهم بالليل المنّ ، فيقع على النبات والشجر والحجر فيأكلونه ، وبالعشيّ يأتيهم طائر مشويّ يقع على موائدهم ، فإذا أكلوا وشربوا طار ومرّ ، وكان مع موسى حجر يضعه وسط العسكر ، ثمّ يضربه بعصاه ، فينفجر منه اثنتا عشرة عينا ، كما حكى الله ، فيذهب إلى كلّ سبط في رحله ، وكانوا اثني عشر سبطا». (١)
قوله سبحانه : (وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)
في الكافي عن أبي الحسن الماضي ـ عليهالسلام ـ قال : «إنّ الله أعزّ وأمنع من
__________________
(١). تفسير القمّي ١ : ٤٨.