وكيف كان ، فمن المعلوم أنّ النسخ لا يوجب زوال نفس الآية عن الوجود وبطلان تحقّقها ، بل الحكم حيث علّق بالوصف ، ـ وهو الآية والعلامة ، مع ما يلحق بها من التعليل ـ ، أفاد أنّ النسخ المراد هو إذهاب أثر الآية من تكليف أو غيره ، وهو الذي يستفاد من اقتران قوله تعالى : (نُنْسِها) بقوله : (نَنْسَخْ) وجمعهما في سلك واحد.
والإنساء هو الإذهاب عن العلم ، فيذهب أثره.
وكون الشيء آية مختلف باختلاف الأشياء والحيثيّات والجهات : فالبعض من القرآن آية له سبحانه باعتبار عجز البشر عن إتيان مثله ، والأحكام والتكاليف آيات له تعالى باعتبار حصول التقوى والقرب بها منه سبحانه ، والموجودات التكوينيّة آيات له تعالى باعتبار كشفها بوجودها عن وجود صانعها ، وبخصوصيّات وجودها عن أسمائه وصفاته سبحانه ، وأولياؤه من عباده آيات له تعالى باعتبار دعوتهم إليه قولا وفعلا ... وهكذا ؛ ولذلك كانت الآية تقبل الشدّة والضعف ، قال تعالى : (لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى). (١)
ومن جهة اخرى : فالآية ربّما كانت ـ في أنّها آية ـ ذات جهة واحدة ، وربّما كانت ذات جهات كثيرة ، ونسخها وإزالتها كما يتصوّر بجهتها الواحدة كإهلاكها وإفنائها ، كذلك يتصوّر ببعض جهاتها دون بعض ، إذا كانت كثيرة.
وهذا الذي ذكرناه من عموم معنى النسخ ، هو الذي يفيده عموم التعليل بقوله سبحانه : (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ* أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) وذلك أنّ الإنكار المتوهّم في المقام أو الإنكار الواقع
__________________
(١). النجم (٥٣) : ١٨.