من اليهود ـ على ما روي بالنسبة إلى معنى النسخ ـ يتعلّق به من وجهين :
أحدهما : من جهة أنّ آية من آيات الله إذا ارتفعت وزالت ، فلن يقوم مقامها شيء يستدرك به ما فات معها من فائدة الخلقة ومصلحة العباد.
وثانيهما : من جهة أنّ الآية إذا كانت من عند الله لم يمكن أن تتغيّر ويطلع كلّ يوم حكم ويظهر لون بعد لون ، كما هو شأن العباد الغير المحيطين بجهات الصلاح في الأشياء : إذ كانت أحكامهم وأوضاعهم تتغيّر بتغيّر علومهم بالمصالح والمفاسد ، زيادة ونقيصة ، وحدوثا وزوالا.
فأشار سبحانه إلى الجواب عن الأوّل : بعموم القدرة ؛ وأنّه سبحانه لا يعجز عن إقامة ما هو خير من الفائت أو مثله مقامه.
وأشار إلى الجواب عن الثاني ؛ بأنّ ملك السماوات والأرض لله سبحانه ؛ فله أن يتصرّف في ملكه كيف يشاء ، وليس لغيره شيء من الملك ؛ حتّى يقتضي انسداد باب من أبواب تصرّفه سبحانه ، فحكم من أحكامه إذا لاح منه الدوام يمكن أن يقطع سبحانه دوامه بإزالته وإقامة آخر مقامه ، ولا يوجب اقتضاؤه الدوام ـ مثلا ـ تحديد ملكه تعالى أن لا يتصرّف فيه ، وهذا الذي ذكرناه هو مقتضي الحصر في قوله : (أَنَّ اللهَ لَهُ مُلْكُ ...) الآية ؛ أي هو المالك لا مالك غيره ، فافهم ذلك.
فقد ظهر ممّا مرّ : أنّ النسخ لا يختصّ بالأحكام التشريعيّة ، بل يعمّ التكوينيّات أيضا ، وأنّ النسخ لا يتحقّق من غير طرفين : ناسخ ومنسوخ ، وأنّ الناسخ يشتمل على ما يشتمل عليه المنسوخ من الكمال أو المصلحة.
فإن قلت : فعلى ما مرّ من عموم معنى النسخ ، يكون العامّ مع الخاصّ ، والمجمل مع المبيّن ، والمطلق مع المقيّد ، من قبيل الناسخ والمنسوخ.